مقالات تاريخية

التاريخ يعيد نفسه

switch off icon switch on icon

اعتدت كلما راعني من حاضر أمتي ما يروع، وفزّعني من واقعها ما يفزع، أن ألوذ بالتاريخ، وأبدًا تاريخ أمتي لا يخذلني، فدائمًا أجد فيه التفسير وأجد فيه العزاء، وأجد فيه الأمل. 

وفي الشهور الماضية تولى (كاتب فنان)1 من هؤلاء (القرامزة) الذين يحملون (المطرقة والمنجل) يهوون (بمطرقتهم) على كل أصيل تليد ليحطموه ويزيلوه، ويتربصون (بمنجلهم) لكل نبتة لأمل، وكل عود للمستقبل، ليحصدوه، يمهدون بذلك (للدب) المستوقز .. حمانا وأعاذنا الله. 

تولى هذا الكاتب (سَحْل) خيار صحابة رسول الله r حيث مكنت له كبرى الصحف العربية اليومية، على طول أربعين أسبوعًا (زد أو انقص منها قليلاً) مكنت له من صفحة كاملة كل أسبوع، يصول فيها ويجول، ولا من دافع ولا رادع ” طلب الطعن وحده والنزالا”. 

فمن له مثل هذا الموقع ليردع؟؟ ومن يملك مثل هذا المنبر ليدفع؟؟ وحيل بين الكتاب والعلماء والرد، حيث كانت تُحوّل كل الردود والتعقيبات إلى هذا الكاتب فيطويها، ويخفي ذكر أصحابها، ويوجعهم همزًا ولمزًا، وسبًّا وشتمًا. 

ومن عجب أنه يعود ليبكي ويندب الرأيَ المكبوت، والفن المرءود، ويستصرخ كل من هب ودب، على “كهنوت الرقابة الدينية” و”غوغائية علماء الدين” و”استبداد الهيئات العلمية والروابط الإسلامية”!! (رمتني بدائها وانسلّت). 

لُذت كعادتي بالتاريخ – تاريخ أمتي – فقال لي: لا تُرع إنه ضلال قديم، كَيْده مفضوح وسهمه طائش، وسيفه مغلول. وأقرأني صفحة أسلافهم، صفحة (القرامطة)، وقال لي: لو تقرؤون !! لو تتدبرون !! لو تتنبهون!! 

فهل تأذنون أن أشرك قراءكم الكرام في قراءة هذه الصفحة التي أقرأنيها التاريخ !! صفحة القرامطة؟ كم أكون شاكرًا لو أذنتم، حتى أؤدي الأمانة التي حمَّلنيها التاريخ. 

القرامطة إحدى فرق الباطنية، الذين اختصهم الإمام الغزالي (حجةُ الإسلام) بكتاب من كتبه، تحدث فيه عن (فضائحهم) وجرائمهم وخبائثهم.. ومما جاء فيه: 

  1. منهج القرامطة: 

جاء هذا المنهج كما كشفه الإمام الغزالي على لسانهم، إذ قالوا: نتحصَّن بالانتساب إلى الروافض والاعتزاء إلى أهل البيت، ونتودد إليهم بما يلائم طبعهم: من ذكر ما تم على أسلافهم من الظلم العظيم، والذل الهائل، ونتباكى لهم على ما حل بآل محمد r ونتوصل به إلى تطويل اللسان في أئمة سلفهم، الذين هم أسوتهم وقدوتهم، حتى إذا قبَّحنا أحوالهم في أعينهم وما ينقل شرعهم إلا بنقلهم وروايتهم، انسد عليهم باب الرجوع إلى الشرع، وسهل علينا استدراجُهم إلى الانخلاع من الدين”اهـ (بنصه ص19). 

هذه هي خطتهم، وهذا هو منهجهم كما ترى: 

  1. ادعاء الغيرة على الإسلام وتجليه مبادئه.
  2.  تمجيد آل بيت المصطفى عليه الصلاة والسلام. 
  3.  البكاء على ما أصاب آل البيت وحل بهم. 
  4. التوصل بذلك إلى سب أئمة الصحابة وكبارهم وتقبيح أحوالهم. 
  5.  سد الباب بين المسلمين وشرعهم حيث قبحوا الصحابة وما ينقل الشرع إلا من جهتهم. 
  6. (انتبهوا أيها السادة) هذه هي خطة القرامطة (وانظروا حولكم). 

وسائل القرامطة: 

كان للقرامطة وسائل يستدرجون بها الأتباع، ويصطادون بها الأنصار والأشياع، وهي مرتبة على درجات بدقة بالغة، تعتبر بحق مثالاً لعبقرية (العمل السري) كما سماها أحد الباحثين المحَدثين. أما الإمام الغزالي (حجة الإسلام) فقد سماها: (درجات حيلهم) وهي: 

1- التفرس

2- التأنيس

3- التشكيك

4- التعليق

5- الربط

6- التدليس

7- التلبيس

8- الخلع

9- السلخ

ويقول الإمام الغزالي: “في الاطلاع على هذه الحيل فوائد جمة لجماهير الأمة”. 

وهاك شيء من تفصيل حيلهم: 

 أما التفرس: فمعناه أن يكون الداعي فطنًا ذكيًّا يميز بين من يمكن استدراجه ومن لا يمكن قادرًا على تأويل النصوص والإيهام، بأن لها باطنًا لا يعرفه كل أحدكما يكون قادرًا على أن يقدم لكل واحد ما يتفق مع مزاجه وميله ومذهبه. 

 وأما حيلة التأنيس: فهي أن يجتهد الداعي في التقرب إلى من يدعوه، والتظاهر له بالتنسك والتعبد، والمواعظ الرقيقة، والتبشير بأن الفرج منتظر. 

 وأما حيلة التشكيك: فهي أن يجتهد الداعي في تغيير اعتقاد المستجيب، وذلك بالأسئلة عن الحكمة في مقررات الشرع، وغوامض المسائل، ومتشابه الآيات، وأسرار الأرقام في مثل: سبع سموات، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، عليها تسعة عشر. 

 وأما عن حيلة التعليق: فتكون بأن يطوي عنه سر هذه الشكوك، ويوهمه بأنه يملك حقيقتها ويعرف كُنهَها، ولكن لا يمكن البوح بها لكل أحد، ولا في كل حين، بل لابد من عهود ومواثيق على من يريد معرفة هذه الأسرار، ويتركه هكذا معلقًا. 

 وأما حيلة الربط: فتأتي بعد التعليق، بأن يربطه بأيمان مغلظة، وجهود مؤكدة، لا يجسر على المخالفة لها بحال، (ومن اطلع على نسخة العهد يقشعر بدنه لهذا الإرهاب الذي ينطق به). 

 وأما حيلة التدليس: فتكون بالتدرج في بث الأسرار إليه بعد أن ربطه بالأيمان والعهود المؤكدة، إذ يأخذ في إطلاعه على قواعد المذهب شيئًا فشيئًا، ويوهمه أن لهذا المذهب أتباع كثيرون، ولكنه لا يعرفهم، بل له أن يسمي بعض المرموقين الذين يُقتدى بهم (على شرط أن يكونوا في بلاد أخرى لا يمكن مراجعتهم) مدعيًا له أنهم على نفس مذهبه. 

 وأما حيلة التلبيس: فتكون بالاتفاق على بعض المسلّمات، والقواعد البدهية، ثم يستدرجه منها إلى نتائج باطلة، وذلك بعد أن يكون قد أسلم له قياده. 

 9- الخلع والسلخ: وهما بمعنى واحد، إلا أن الخلع يختص بالعمل، فإذا أسلم المستجيب قياده وبدأ العمل والتنفيذ لما يريده منه القرامطة، يكون قد انخلع عن مجتمعه، ووصل إلى درجة الخلع. وأما السلخ: فيختص بالاعتقاد الذي هو خلع الدين، واعتقاد فلسفة المذهب قلبًا وإيمانًا بعد أن أخذها منهجًا وعملاً. 

هذا تفصيل تدريجهم الخلق واستغوائهم، فلينظر الناظر فيه وليستغفر الله من الضلال. وإلى الله المشكتى .. وهو حسبنا ونعم الوكيل. 

وكان للقرامطة جولة ودولة: 

كان القرامطة يتخفَّوْن – كما رأينا – في زي أهل البيت، ويزعمون أنهم يبكون على ما أصابهم، ويُظهرون التعبدَ والتمسك والتزهد، ويبشرون بالعدل الشامل بين الناس، وبسياسة جديدة في المال، تُشبع الجياعَ، وتنصر العمال والفلاحين. 

فاجتمع إليهم المخدوعون من البسطاء وأفجاج العرب والأكراد، وجُفاة الأعاجم، وسفهاء الأحداث، ولعل هذا الصنف هم أكبر الناس عددًا، ثم الحقدة ممن أزال الإسلام دولتهم، كأبناء الأكاسرة، والدهاقين، وأولاد المجوس المستطيلون، ثم المغامرون الباحثون عن دوْر العاشقون للتسلط والسيطرة. 

وصار لهم بهؤلاء وهؤلاء أتباع وأشياع، وجند وأنصار، أقاموا بهم دولة، واتخذوا لهم عاصمة!! فلننظر على أي نظام قامت دولتهم؟ 

كان أول شيء أنهم كشفوا هُويتهم، فأباحوا المحرمات، وأزالوا المحظورات، ونادْوا بالشيوعية في النساء والأموال، وبالطبع – كالشيوعية الحديثة – عجزوا عن تحقيقها في الأموال، فبقي قادتهم ورؤساؤهم يكتنزون المال دون عامتهم، ويسومونهم الخسف والعذاب، ويستغلون جهدهم وعرقهم. 

ثم كشفوا عن هدفهم الأول ومهم الأكبر، وهو هدم دولة الإسلام، فعاثوا في الأرض فسادًا، وشنوا الحروب في العراق والخليج والشام ومصر والحجاز، وروّعوا الآمنين، وقطعوا الطريق، ونهبوا القوافل، وذبحوا الرجال، وسبَوْا النساء والأطفال، وصار من كانوا يزعمون أنهم دعاة العدل وأئمة الزهد وحماة الضعفاء، صاروا مردة شياطين، صاروا مصدر الظلم والقهر والاستبداد والاستغلال. 

وكملت جرائمهم بعدوانهم على الحجيج داخل الحرم، يوم التروية ثمانية ذي الحجة، فذبحوا الحجاج وألقوا بجثثهم في بئر زمزم، ومزقوا أستار الكعبة، ونزعوا بابها وميزابها، وبلغت جريمتهم غايتها بكسر الحجر الأسود، وقلعه من مكانه، وخطفه والعودة به إلى عاصمة ملكهم، حيث ظل سنين إلى أن زالت دولتهم، وانفض المخدوعون من حولهم، الذين طمعوا في جنة الشيوعية، وما ذاقوا إلا وبالها وجحيمها.. فهل يعقلون؟؟! 

د.عبد العظيم الديب