مقالات سياسية

الحرب في جنوب السودان .. هل بدأ التدويل؟!

switch off icon switch on icon

القاهرة  مكتب الشرق  فتحي الضو: 

هل يستطيع نظام الجبهة الإسلامية الحاكم في الخرطوم القضاء على الحركة الشعبية لتحرير السودان؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يسيطر على معظم تحليلات المراقبين السياسيين الذين بدأوا في الاهتمام بما يدور في الساحة السودانية إثر أنباء عن معارك ضارية اندلعت في بداية هذا الشهر بين الفريقين بين نفيها وإثباتها، أكدت أوساط القيادة الشرعية للقوات المسلحة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي المعارضة صحة الأنباء وقالت أنها دخلت أسبوعها الثاني.  

وتؤكد هذه الأوساط أيضًا أن المعارك الحالية بدأت في أعقاب عدة دلائل من بينها الزيارة المفاجئة التي قام بها الفريق عمر البشير رئيس المجلس العسكري إلى مدينة جوبا يومي 18 19 فبراير الماضي. وكان المذكور قد أشار في خطاب له عن قرب نهاية التمرد كما يسميه، وأشار أيضًا إلى أن الحكومة ستقوم بوضع خطة لتعمير الجنوب. علمًا بأن ما جاء في خطابه هذا ظل يردده منذ العام الأول لانقلابه، وهو ما يدخل صيغة التفاؤل السابق في بند الاستهلاك السياسي. 

وتستدل أوساط القيادة الشرعية أيضًا بالمعلومات العسكرية بخطة النظام والتي تشربت قبيل بدء المعارك وكشف عنها التجمع الوطني في بيان له صدر في القاهرة. وكان البيان قد حذر من خطورة تدويل المشكلة، وقال إن المعلومات المتوافرة لديه تؤكد مسعى النظام الديكتاتوري الحاكم لتحقيق هذا الغرض. وفي إطار الخطة العسكرية كشف البيان إلى أن النظام يسعى إلى تصعيد القتال انطلاقًا من خمسة محاور، الأول: الدمازين  المابان  فشلا  الناصر  كبويتا، والمحور الثاني كوستي  العباسية  رشاد  القردود. والمحور الثالث: الرنك  ملكال  بور –  . والمحور الرابع: جوبا  ليريا  توريت  نمولي. والمحور الخامس: واد  طميره  يامبيو  غولي. وأشار البيان إلى ما أسماه بالخطوات الأولى للتدويل، وأكد أنه تم الاتفاق أثناء زيارة الرئيس الإيراني علي هاشمي رفسنجاني للخرطوم ديسمبر الماضي على استقدام قوات إيرانية بلغت نحو ثمانية آلاف ضابط وجندي نشروا فورًا على أطراف مدينة جوبا المحاصرة منذ عدة أشهر كذلك في المنطقة الواقعة بين مدينتي كوستي وملكال، وتبع ذلك نشر قطع من البحرية الإيرانية في البحر، وهي التي شاركت في مناورات عسكرية مع قطع سودانية وأريترية أواخر العام الماضي وبقيت منذ ذلك الوقت في المياه الإقليمية السودانية عند ميناء بورتسودان ومرفأ ترنكات. 

وأضاف البيان أنه خلال الأسبوعين الماضيين وصل عشرة آلاف جندي وضابط من القوات الإيرانية ليرتفع العدد الكلي إلى 18 ألفًا. وفي مسعى التدويل ذلك أكد البيان استعانة الحكومة العسكرية بقوات وعتاد من أثيوبيا وأرتيريا اللتين وافقتا على التورط في هذه الجريمة البشعة. إن المعلومات المتوافرة حتى الآن تؤكد أن ثمة تعتيمًا شديدًا على أخبار المعارك من جانب النظام العسكري الحاكم، فاللواء طلبة عويضة المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة يؤكد في بيانات متسلسلة من حين لآخر سيطرة القوات الحكومية على الوضع في الجنوب، وأن العام الحالي سيشهد نهاية التمرد. في حين أن السفارة السودانية في لندن أصدرت بيانًا يوم الثلاثاء الماضي نفت فيه الأنباء التي تتحدث عن المعارك وإمعانًا في التمويه قال البيان أن تصريحات الفريق البشير لدى زيارته مدينة جوبا أكدت عدم اعتماد الحكومة على مبدأ القتال لحل مشكلة الجنوب، وقال إن الحكومة تتفاوض سرًا وجهرًا مع المتمردين، ومن جهة ثانية أكد قادمون من الخرطوم للشرق في القاهرة أن وسائل الإعلام السودانية أفسحت وقتًا طويلاً لبرامج الدفاع الشعبي وتبث محطة التليفزيون يوميًا لقطات قديمة للمعارك بغرض رفع الروح المعنوية للمواطنين، كما سخرت هذه الأجهزة ومنابر المساجد للحديث عن الجهاد وإعلاء راية الإسلام بهزيمة الصليبيين. 

ولاحظ أولئك القادمون أيضًا أن الأيام الماضية شهدت تفريغ مستشفى السلاح الطبي الكائن بمدينة (أم درمان) بما يشبه الاستنفار، وذلك بفرض تخصيصه لمعالجة جرحى الحرب، أما على صعيد الحركة الشعبية لتحرير السودان فقد اكتفى المتحدث الرسمي باسمها ريتشارد مولا المقيم في لندن بتصريحات صحفية ذكر فيها أن الحركة نسفت خطًا للسكك الحديدية في ثلاثة مواقع بين مدينتي واد وأويل في مديرية بحر الغزال، مما أدى إلى وقف تقدم القوات الحكومية التي بدأت تحركها من غرب السودان نحو مناطق العمليات في الجنوب. 

استراتيجية النظام: 

أيًّا كان تضارب الأخبار لكن الثابت أن ثمة معارك صامدة تدور رحاها الآن في الجنوب والثابت أيضًا أنها الأكبر منذ أن تكونت الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 1983م ومن أجل هذا وذاك استخرجت الشرق آراء بعض السياسيين والعسكريين من أعضاء التجمع الوطني الديمقراطية، وقد اجتمعت آراؤهم حول خمس نقاط يمكن أن تعطي صورة متكاملة للوضع من الناحية الاستراتيجية السياسية والعسكرية. 

  • أولاً: تعتقد الحكومة أن عاملاً موضوعيًا توفر في التعجيل ببدء المعركة الكبرى وهو حدوث الانشقاق في جسم الحركة الشعبية الذي قاده الدكتور (لام أكول) ورفيقه (أريك مشار) ضد العقيد (جون قرنق) وهو انشقاق أدى إلى حدوث ثغرات استراتيجية وضعف في البنية العسكرية للحركة وتزامن ذلك مع ما نشر مؤخرًا حول اتفاق تم بين الجناح الثاني أكول  مشار والدكتور علي الحاج المستشار السياسي للنظام الحاكم، وقضى الاتفاق بتحييد الأول عند بدء الحملة العسكرية وضمان عدم مشاركته مقابل الالتزام بمنحهم انفصال الجنوب بعد القضاء على الجناح الأول والانفصال هو الغاية التي حرضت الجناح الثاني على الانشقاق من الأول. 
  • يرى العسكريون ضرورة استثمار العامل الجغرافي المتمثل في فصل الجفاف بغية استرداد بعض الأراضي المحررة من الحركة الشعبية وإن لم يكن القضاء عليها قبل بدء فصل الخريف، حيث يتعذر القتال بالنسبة للقوات الحكومية نسبة لطبيعة المنطقة في الجنوب، وأيًّا من الطموحين لو تحقق ففي اعتقادهم أنه كفيل بإملاء شروط قاسية على الحركة عند أي تفاوض مستقبلي. 
  • ثالثًا: صرف أنظار الجبهة الداخلية وشغلها بأخبار المعارك في الجنوب خاصة بعد بروز شبح انتفاضة الشهر الماضي والتي تمثلت في المواجهات الحادة بين النظام والشارع السوداني في أعقاب الإجراءات الاقتصادية القاسية التي أقدمت عليها السلطة الحاكمة. 
  • رابعًا: اكتمال المساعدات الإيرانية والتي ذكر أنها عبارة عن طائرات ودبابات وراجمات صواريخ ومدفعيات وذخائر وحاملات جنود أغلبها من مخلفات الحرب العراقية الإيرانية، بالإضافة إلى وصول دفعات عن الأسلحة الصينية بعد أن قامت إيران بدفع تكاليفها 300 مليون دولار، بالإضافة أيضًا إلى دعم معنوي آخر وهو مشاركة قوات أثيوبية وأرتيرية وفقًا لبيان التجمع الوطني. 
  • خامسًا: السبب الأخير الذي هدف إليه النظام السوداني هو لفت أنظار العالم الخارجي بعد أن تفوح رائحة المعارك وهذا في اعتقاده قد يحرض أطرافًا خارجية للتوسط مما يعني تحقيق مبدأ الاعتراف به وكسر طوق العزلة التي يعيشها أو قد يكون الأمر على النقيض تمامًا في صرف أنظار العالم عن ممارسته في احتواء حركات أصولية متطرفة يقوم بتدريبها في الخرطوم في معسكرات سرية وهي القضية التي تضعها بعض الحكومات العربية والغربية شرطًا في علاقتها مع النظام السوداني. 

وعودًا على بدء في السؤال عن إمكانية القضاء على الحركة الشعبية بالطبع يتضح في سياق التحليل انتفاء فرضية كهذا ويؤكد ذلك أيضًا طبيعة الحرب نفسها، فهي حرب عصابات طابعها الكر والفر، فمن الصعب على أي طرف تحقيق نصر ينشده.. وبناء عليه فإن النظام السوداني يخوض الآن مخاطرة قد تعجل برحيله في القريب العاجل نسبة لأنه قام بتسخير كل طاقاته وحشد كل إمكاناته على حساب العامل الاقتصادي وهو المحك الأساسي في تحريض الشارع السوداني ضده إضافة إلى الجانب المعنوي، فالثابت أن الخسران المبين بصماته على مستقبل النظام السياسي. 

أما على الصعيد العسكري فليس أدعي من القول بأن الأمر برمته ما هو إلا إعادة لسيناريو أم المعارك التي خاضها النظام العراقي ضد قوت التحالف ويجتر هو وحلفاؤه هذه الأيام ذكرى مرور العام الأول عليها. 

 

د.عبد العظيم الديب