مقالات فكرية

التقارب السني-الشيعي…

switch off icon switch on icon

إن أمتنا الإسلامية تتعرض الآن لحملة شرسة لم تتعرض لمثلها من قبل، فقد تجمع وتأشَّب الأعداء حولها من كل حدب وصوب، فباسم (محاربة الإرهاب) جمَّعوا كل أمم الأرض لمحاربة الخطر الأخضر، خطر الإسلام، تحقيقا لقول كبيرهم: “انتهزوا الفرصة”. 

 

والحرب الآن –كما ترى- حرب خبيثة ماكرة، تتنوع أساليبها، وتتعدد ميادينها، بين حرب نفسية، وحرب فكرية، وحرب ثقافية، وغزو اجتماعي، وسياسي، واقتصادي، وعسكري.. وانظر وتأمل –على سبيل المثال لا الحصر- المغرب والبوليساريو، والجزائر والأمازيغ، والسودان ودارفور، والجنوب، والشرق، ومصر والتلويح بلجنة حماية الأديان، وانظر إلى العراق، وأفغانستان، وإلى باكستان، وإلى إندونيسيا. 

 

نحن أمام عدو ماكر خبيث، يتغلغل في كل المسارب والدروب، ليحقق ما عجز عنه طوال صراعه مع الإسلام، الصراع الذي بدأ منذ مؤتة وتبوك، ولم ينسه حتى اليوم. 

 

لقد غيرت البابوية العقيدة، وبرأت اليهود من دم المسيح، وتناسى الكاثوليك البروتستانت المعارك بينهم، وما سمي حرب الإرهاب الأبيض، حيث كانت القتلى بينهم بمئات الآلاف، بل إنك لتعجب كيف تناست فرنسا ما صنعه الجنود الألمان بعاصمتها الجميلة باريس، يوم اجتاحوها 1941م وعبثوا بها وبأهلها، واغتصبوا نساءها (قد يكون بعض من اغتصبن من الفتيات أحياء إلى اليوم). 

 

نسي القوم كل هذا، ونرى أقرب الدول إلى فرنسا هي ألمانيا، وهما معا تقودان الاتحاد الأوروبي، وهما عماده. هذا هو عدونا يتجمع ويتحد –على ما بينه من عوامل تفتت الصخر- فلننظر كيف نحن!! 

 

كان لابد من هذه المقدمة قبل الدخول في الموضوع، بل هي جزء أساسي في الموضوع. 

 

 

إن الإمام القرضاوي تنظر إليه الدنيا كلها على أنه رمز للأمة الإسلامية، وهو كذلك فعلا، فلم يكن في يوم من الأيام طائفيا، ولا متطرفا، بل هو رمز الوسطية وصاحبها. 

 

هو الذي حيَّا حزب الله، وأشاد بجهاده، وأثنى على نضاله، قال ذلك بصوت عال صريح، وكان لهذا التأييد والثناء من الأثر ما لا يخفى إلا على الجاحدين. 

 

وهو الذي تحدث أكثر من مرة على حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية، واستنكر محاولة منعها من هذا الحق، كان يقول ذلك، ويصرح به بلا أدنى ملابسة. 

 

 

 

 

كما أدان فرض العقوبات الدولية من اقتصادية وغيرها على إيران، ودعا إلى عدم المشاركة فيها. وهو الذي نادى في أكثر من مناسبة بأنه ضد أي عدوان أمريكي على إيران، وضد كل من يساعد في ذلك. ثم من قبل كل ذلك هو الذي كان يقود محاولات التقريب ويدعو إليها، وما كتبه وما قاله مذكور مشهور غير منكور. 

 

والبيان الذي أصدره أخيرا كان هادئا متوازنا، يدعو إلى المحافظة على الوحدة ويحرم الاختراق، ويحذر من آثار ذلك، وقد نبه إليه من قبل في لقاءاته مع علماء الشيعة وأئمتهم، فأيدوه وشكروه. 

 

“لقد سمعت من حجة الإسلام محمد علي التسخيري –وهو يتكلم في شأن الوئام بين الشيعة والسنة- قوله: “المهم كف السفهاء من الجانبين”. 

 

والآن نسأله: ماذا تقول لمحرر وكالة الأنباء الإيرانية؟ 

كنا نتوقع منه أن يتذكر كلامه هذا، وأن يصف هذا المحرر بما يستحقه صراحة، وأن يقول ذلك بصوت عال، بدلا من أن يطالب الإمام القرضاوي بالعودة إلى الاعتدال. 

 

أما السيد حسين فضل الله، فأنا أعجب له كيف سقط هذه السقطة؟ وكيف خانته حصافته؟ وكيف غاب عنه جهاد العلامة القرضاوي في الميادين والمجالات الذي اتهمه بالتقاعس عنها والهروب منها، وأنا لا أشك لحظة أنه الآن آسف ونادم على سقطته هذه. 

 

إن الإمام القرضاوي قال كلاما محددا واضحا، وكان على من يعقب عليه أن يلتزم أدب الحوار، وقواعد المناظرة، فكان يكفيهم أن يقولوا: إننا لا نعلم شيئا عن هذا المد الشيعي في مصر، ولا ندري من يقوم به، أو نحو ذلك، يعني يبقى الكلام في هذا الموضع، لا يتعداه، فهو موضع النزاع كما كان يعبر أئمتنا قديما رحمهم الله. 

 

أما هذا التجاوز، والتطاول، فأترك لهم أن يصفوه هم بأنفسهم، وأن يسموه باسمه، ولن نسميه نحن، فنحن دعاة وحدة ومصالحة، ولسنا دعاة فتنة وإثارة. 

 

 

 

والآن ماذا بعد؟ 

لابد من تدارك الأمر، فإن مسلسل الرد، والرد على الرد، والتعليق من هنا وهناك سيجر إلى ما لا نرضاه، وسيدفع إلى ما نخشاه، فكل عاقل مؤمن بالله، ويخشى على هذه الأمة، يعلم أن وحدة أهل القبلة هي السبيل إلى نجاتها مما يراد بها. 

 

 

ولذا نضع بعض الحقائق والضوابط عسى أن تكون أساسا لكبح ما انفرط: 

 

1- إن الشيعة – مثل كل الطوائف والجماعات- ليسوا كتلة واحدة، ففيهم العقلاء الذين يؤلفون الكتب، ويدبجون المقالات، ويكتبون البحوث في تصحيح الشطحات، ورفض التجاوزات، وفيهم من يدرك خطورة تمزيق وحدة الأمة. 

 

منذ عقود وأنا أقول: لا يعنيني كثيرا ما يسمى (بالتقريب بين السنة والشيعة) بل لا يعنيني أصلا، وإنما الأهم عندي هو البحث عن أسس التعايش الذي يتطور ويتحول إلى تعاون. 

 

وكنت –وما زلت- أقول: يقوم الاتفاق على هذه الأسس الثلاثة: 

 

أولا: الكف عن سب الصحابة، فهذا يؤذي أهل السنة أشد الأذى. 

ثم هو ليس من مذهب الإمامية، فقد مضى أئمة آل البيت رضوان الله عليهم إلى ربهم، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه سب أحدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

 

وأريد اليوم القول: لابد أن تكف هذه الفضائيات عن بث ما يثير المشاعر ويكدر الخواطر، ويدعو إلى الفتنة، من ذلك (الفولكلور) الذي برع مقدموه في استنفار صور وأحداث من التاريخ عمرها نحو ألف وأربعمائة سنة، وهي إما مخترعة مزيفة لا أصل لها، وإما مقطوعة عن سياقها وسباقها، ومضخمة بصورة دراماتيكية، أو مفسرة تفسيرا مصبوغا وملونا برؤية مقدمها، وكل ذلك –في الواقع- ليس فيه تعبد، ولا تقرب إلى الله ورسوله، ولكنها الإثارة فقط لا غير. 

 

 

 

2- أن يحسن الشيعة معاملة أهل السنة بينهم، وأن يعطوهم حقوق المواطنة كاملة، وأن يحسن أهل السنة –بالمثل- معاملة الشيعة بينهم، ويعطوهم كامل حقوقهم. 

 

3- أن يكف الشيعة عن نشر التشيع بين أهل السنة، وأن يكف أهل السنة عن الدعوة بين الشيعة، ولا يقتصر ذلك على العالم العربي وحده، بل في إفريقيا، وآسيا، وبلاد الغرب، فحيث يوجد من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يصح أن يتدخل في شأنه صاحب مذهب مخالف، والميدان فسيح أمام الجميع في الدعوة بين الوثنيين والملحدين. 

4- يجب أن تتوقف فورا حرب البيانات والبيانات المضادة، فخطرها في إثارة المشاعر، وإشعال العواطف لا حدود له. 

5- يجب أن ينفر من كل جانب طائفة من أهل الحل والعقد، وأن يتنادوا إلى اجتماع مغلق أولا لوضع خطة مدروسة ومحكمة لعقد اجتماع أوسع يضم مجموعة من العلماء والخبراء، بل المسئولين وأصحاب القرار، على أن يتكون برنامج هذا اللقاء من محورين: 

 

الأول: تنقية الأجواء، وتصفية هذا الذي كان. 

 

الثاني: البحث في الأسس الثابتة المتينة للتعايش والتعاون. 

 

وأعتقد أن القضايا الثلاث التي ذكرناها من قبل تصلح أساسا متينا لهذا التعايش، وتصلح مدخلا لهذا الحوار الذي يدور حول كيفية التفصيل والتنفيذ. 

 

(وتذكروا أننا نلهث وراء الحوار المسيحي، فليكن هذا أولا) 

 

 وأرجو أن تتم هذه الاجتماعات والندوات بعيدا عن الضجيج الإعلامي، حتى لا تغلب عليها المظهرية والدعائية، وإنما يتم ذلك في هدوء وصفاء، وتذكروا ما يحيط بالأمة، واستجيبوا لقوله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. 

 

د.عبد العظيم الديب