مقالات فكرية

التاريخ الإسلامي … المفترى عليه !!!

switch off icon switch on icon

لم يتعرض تاريخ أمة للتشويه و التحريف ومثلما تعرض التاريخ الإسلامي, و لم يكن ذلك على يد المستشرقين و المتغربين فقط, بل أسهم في ذلك أدعياء التاريخ و أصحاب الأغراض الخاصة و هواة الروايات و الحكايات غير الموثقة التي تخدم المذهبيات. 

و لما كان التاريخ الإسلامي يمثل ذاكرة الأمة و حاضرها و مستقبلها, فإن تحريره يحتاج إلى منهج واع و رصين و معايير موضوعية نزيهة, إذ لا ينبغي أن تتقاذف كتابة التاريخ الآراء و الأهواء الشخصية, و التجارب الذاتية, و الدوافع التي تفتقد إلى التجرد و الحياد. 

في هذا الإطار جاءت الندوة المغلقة التي عقدت في القاهرة عام 2000للبحث مسألة منهج النظر في التاريخ الإسلامي, موضحة المخاطر و التحديات التي تواجه كتابة التاريخ الإسلامي و كيفية مواجهتها و أردت أن أكتب لكم ما جاء في تلك الندوة التي في نظري هامة جد هامة……… 

 

 

 

 

 

 

 

 

مغالطات و انحرافات 

استهل د. عبد العظيم الديب- أستاذ و رئيس قسم و الأصول بكلية الشريعة جامعة قطر- حديثه بالتأكيد على أن المستشرقين تحاملوا على الإسلام, و اتجهوا إلى كتب التراث باعتبارها الخرائط و الصور التي تصوغ عقولنا و عواطفنا و مشاعرنا و اتجاهاتنا و اهتمامنا, و حبنا و بغضنا, فهي المفاتيح التي عرفوا بها كيف يخططون لتدميرنا ثقافياً و اجتماعياً و اهتمامناً, و جاءت معظم أعمالهم في مجال التاريخ بمعناه العام التاريخ السياسي و الحضاري و الاجتماعي, و تاريخ الفرق و المذاهب و الرجال و الطبقات و الرجال و معاجم البلدان, و تركز اهتمام المستشرقين على تاريخ الفرق و الصراع بينها, و كانت لهم عناية خاصة بتاريخ الزندقة و الزنادقة و القفز من وراء العصر الإسلامي إلى التاريخ القديم لإثارة النعرات الإقليمية, و تمزيق وحدة الأمة الإسلامية. 

 

و تناول د. الديب قضية كتابة التاريخ, مشيراً إلى أن المعلومات حينما تكون مغلوطة تؤثر تأثيراً خطيراً في التوجيه الفكري و النفسي, لأن الإنسان يتصرف بمشاعره و عواطفه أكثر مما يتصرف بعقله, فالتاريخ مجموعة معلومات و نسق فكري و ثقافي معين يتلقاه الإنسان و يسيطر عليه, و يربى عنده اتجاهاً ثم اهتماماً ثم عاطفة ثم يملك عليه قلبه, و من ثم يتصرف بهذه الطريقة, و هذا هو الفرق بين الفكر و الإيمان, فصاحب الفكر لديه مقدمات و قياسات تقول أنه صحيح, و لكنه ينتهي عند هذا الحد, و أما صاحب الإيمان فينتقل بعد ذلك إلى مرحلة أخرى , و هي التطبيق و التنفيذ, و لذلك نجد القرآن الكريم يقول (( فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون))[ الأنعام:33], فعقلاً هؤلاء مصدقون لا يؤمنوا, و لعل القرآن الكريم أشار في مواطن كثيرة إلى أن القلب هم مكان الفقه و الفهم و الفكر, فهذا يدل على أن القضية لابد من أن تنتقل من العقل إلى القلب, و لذلك فإن الاستعانة بمعلومات خاطئة في كتابة التاريخ يترتب عليها مشاعر و عواطف بائسة تجاه تاريخنا الإسلامي نستطيع أن نلمح هذا في أحاديث الدعاة, إذ أنهم لا يتجاوزون في استشهاداتهم عهد عمر بن الخطاب, و هذه كارثة لما تحمله من تصديق و أخذ بالكلام الذي يثار حول التاريخ من عدم وجود فترات مشرفة لدى المسلمين في طريق النهوض الحضاري عدا فترة عمر رضي الله عنه. 

كما نجد أن معظم كتب التاريخ محشوة بمغالطات و انحرافات تردد عثمان بن عفان خان مال الأمة و أعطاه لبني أمية و أنه ولى أقاربه رقاب الناس, و انتشرت في عهده المحسوبية, و أن بني أمية قاتلوا من أجل السلطة, و أن يزيداً قتل الحسين, و انتشر الاستبداد في عهد بني أمية, و هارون الرشيد كان مترفاً و لديه جوارٍ كثيرات, و المماليك كانوا جهلة و الأتراك كانوا مستبدين, و للأسف بعض المسلمين يسلمون بهذه المعلومات المخرفة إذا اطلعوا عليها, و تبرز هنا خطورة الادعاء بأنه لا يوجد نموذج إسلامي لنظام دولة تقوم على الحكم الإسلامي!!

فلابد مع تجلية التشريع الإسلامي و تأكيد صلاحيته لكل زمان و مكان, و أن نثبت أن هذا التشريع قد نجح و طبق, و أن الأمة سارت بهذا التشريع نحو ألف عام و قادت به البشرية, و لذلك حينما نقول إن الإسلام يحكم على المسلمين, و المسلمون لا يحكمون على الإسلام, نكون أغفلنا بديهية قائدة و هي أن الأمة الإسلامية و الحضارة الإسلامية قامت و قادت الدنيا, و ارتادت البشرية كلها بالحب و العلم و الفكر و الفن و الإخاء و المودة و ذلك نحو ألف عام.

أسطر قليلة لها قيمة كبيرة 

ينبغي أن نبحث عن هذا التاريخ-يستطرد د.الديب- و أن نطهره و ننقيه من الشوائب لأهميته, حيث إن الأمم الواعية عرفت كيف تهتم بالتاريخ, فمثلاً في عام 1984م نشرت الصحف أن الصين حشدت جنودها على حدود اليابان بسبب أن اليابان أرادت أن تغير بضعة أسطر في تاريخها, و هذا الخبر منشور في كتاب ” التربية عند اليابان”. 

و ذلك أنه في عام 1945م عندما انهزمت اليابان, أحضر ماك آرثر- قائد القوات الأمريكية- عدداً من خبراء التربية(حوالي 17 خبيراً) وضعوا مناهج تاريخ الأمم, و هي معلومات التي تؤثر في العواطف و المشاعر و تكوين الاتجاهات لدى المجتمع, و كتبوا في منهاج التاريخ أن الجيش الياباني كان معتدياً على الصين, فأرادت اليابان إعادة صياغة الكتابة فإذا بالصين تنذر و تحشد الجيوش لتظل هذه الأسطر موجودة!!!! 

و في هذه الواقعة يظهر لنا حرص الصين و معرفتها بمصادر القوة الحقيقية للأمم و المتمثلة في القوة الفكرية لا في الجيوش و الأسلحة. 

 

و أمامنا مثال آخر للمغالطات التاريخية التي نعيشها, حيث أن جمهورية مصر العربية كانت تحتفل بالحملة الفرنسية – و من المعروف عند تاريخ المصريين أنه يقول أن نابليون جاء بأول مطبعة و عمل بمصر أول خريطة- و هذا الكلام ليس صحيح البتة, و يدخل في جزئية تاريخية, حيث إن المطبعة كانت معروفة في الشرق قبل نابليون بأكثر من مائة عام, و لا أدري ما السر الذي يجعلهم لا يذكرون المطابع العربية التي كانت موجودة قبل نابليون حيث كانت هناك ثلاث مطابع في الشام, و في اسطنبول العاصمة, و التي كان يزورها كبار الشخصيات المصرية, و كذلك كان لهذه المطابع فرمان بنظم عملها.. 

و في التاريخ المصري العديد من المغالطات التاريخية و ذلك يرجع للطبيعة الاستعمارية, و التي شوهت تاريخنا فهناك كرومر الذي سألوه عندما دخل مصر عن حجم الأموال و السلاح الذي يحتاجه لتثبيت أقدامه في مصر فقال أريد خبراء تربية, و جاء فعلاً دانلوب- القسيس- الذي كانت له بصمات واضحة في تاريخنا, و رومين دبرال – شخصية لم تدرس في التاريخ- و الذي قال” يستحيل الانتصار على المسلمين بالسلاح, لأن الانتصار عليهم لن يكون إلا بالمنصِّرين, و سنبغي أن نستبدل الكلمة بالسلاح و الجند” و أسس مدرسة فكرية تقوم على التنصير و الروح الصليبية مما كان له تأثير واضح في بلاد أرض الكنانة (مصر الإسلامية) 

د.عبد العظيم الديب