مقالات فكرية

يجب أن يغير خطابه الديني ؟

switch off icon switch on icon


بعض بني جلدتنا صاروا يقرِّعوننا صباح مساء بمسافة التخلف بيننا وبين الغرب، ويفزِّعوننا من الفجوة الحضارية التي لم يعد هناك أمل في تداركها، وأدْمنوا اللجاجة والإلحاح بهذا الكلام حتى انتقل إلى الإسلاميين، وصرت تسمع كثيرًا منهم ينحي باللائمة على أمتنا ويعيِّرها بما تعانيه، وصار الحديث بهذا الأسلوب والعزف على هذا الوتر عنوان (موضوعية) المتحدث، وعلاقة (وعيه بالواقع)، وآية (تجرِّده وإنصافه) وصار هذا كله موجبًا بأننا أمة بطبيعتها (متخلفة)، فإذا حاولنا أن نذكرهم بأننا أمة بانية بطبيعتها، أمة ناهضة بفطرتها، أمة قائدة بدينها، أمة رائدة برسالتها، أمة صنعت للعالم أول حضارة متكاملة، حضارة لم تر الدنيا مثلها، لا قبلها ولا بعدها.
إذا حاولنا أن نقول ذلك لم نجد من يسمع لنا، بل منهم من ينفرون منك نفار الأوابد، قائلين: لا تصدّعوا رءوسنا بالماضي، ولكن حدثونا بالواقع ، وآخرون يذهبون أبعد من ذلك فيذكرون لك من مآسي وفظائع التاريخ الإسلامي ما تقشعر لهوله الأبدان، حتى يصير ما تحكيه من حضارة وإنجازات مغمورًا في بحر هذه المآسي والظلمات التي شنْشنوا لك بها.
مع أن لدى الآخرين، وفي تاريخهم، بل في واقعهم الآن من الفظائع والشنائع ما لو وقع قطرة منه في بحر تاريخنا لنجسته.
·
فأمتنا لم تتاجر في الأفيون، ولم تشعل حرب الأفيون لتفتح الأسواق أمام تجارة الأفيون وترغم الناس على تعاطيه بالحديد والنار.
·
وأمتنا لم تفرِّغ قارة بأكملها من سكانها كي تأخذ أرضها ومزارعها، أمتنا لم تقتل الهنود الحمر بأخس الوسائل وأحقرها وأبشعها: بنشر الأمراض القاتلة والأوبئة الفتاكة بينهم عن طريق الملابس والأغطية الملوَّثة بالجراثيم!!
·
أمتنا لم تخطف الأفارقة الأحرار من مدنهم وقراهم لتتخذهم عبيدًا يفلحون لهم الأرض التي فرَّغوها بإبادة أهلها (وعامة مثقفينا يقولون: إن أوروبا هي التي حررت الرقيق).
·
أمتنا لم تحرق المحاصيل من الحبوب والفواكه حتى تحافظ على أسعارها.
·
أمتنا لم تقتل الأبقار الزائدة عن الحاجة تخلصًا من بحيرة الحليب وجبل الزبد الزائد عن حاجتهم!!! (كان ذلك في سنة 1984م وهو عام المجاعة والجفاف في إفريقيا، وقد تناقلت وكالات الأنباء ذلك بدون أي حياء أو خجل).
·
وأما عن السماحة والتسامح، وحقوق الإنسان، والتعايش مع الآخر، على آخر هذه (المسكوكات) التي ملئوا بها أفواه مثقفينا، فيكفي أن نضع أمام القارئ الكريم هذه الوثيقة وهي عبارة عن مجموعة القوانين التي فُرضت على المسلمين الذين كانوا في هذه البلاد الأوروبية قبل دخول العثمانيين إليها، اقرأ هذه القوانين وتأمل، واعرف البون الشاسع بيننا وبينهم.
الوثيقة:
1-
جاء في مرسوم أصدره الملك أندريا الثاني بتاريخ 20/8/1233م: “يحرم على المسلمين جميعًا تولي أية وظيفة من وظائف الدولة“.
2-
وبلغت الاستهانة بالمسلمين ذروتها حين صدر مرسوم في عهد كارل الأول سنة 1341م جاء فيه: “على جميع الرعايا الذين لم يعتنقوا المسيحية بعد، إما أن يُعمَّدوا وفقًا لتعاليم المسيحية، أو يغادروا البلاد“.
وتصور المأساة في بعض مراحلها، مجموعةُ القوانين الهنغارية التي تحمل النصوص التالية:
– “
المادة 46″ كل من رأى مسلمًا يصوم، أو يأكل على غير الطريقة المسيحية، أو يمتنع عن أكل لحمن الخنزير، أو يغتسل قبل الصلاة، أو يؤدي شعائر دينه، وأبلغ السلطات بذلك، يُعطى له جزء من أملاك هذا المسلم مكافأة له.
– “
المادة 47″ على كل قرية مسلمة أن تشيِّد كنيسة، وأن تؤدي لها الضرائب المقررة، وبعد الانتهاء من تشييد الكنيسة يجب أن يرحل نصف مسلمي القرية، وبذلك يعيش النصف الآخر معنا كشركاء في العقيدة، على أن يؤدوا الصلاة في كنيسة يسوع المسيح الرب بطريقة لا تترك شبهة في اعتقادهم.
– “
المادة 48″ لا يسمح للمسلم أن يزوج ابنته رجلاً من عشيرته، وإنما يتحتم عليه أن يزوجها رجلاً من الجماعة المسيحية.
– “
المادة 49″ إذا زار شخصٌ ما مسلمًا، أو إذا دعا مسلم شخصًا لزيارته؛ يجب أن يأكل الضيف والمضيف معًا لحم الخنزير“.
[
النص اللاتيني لهذه القوانين يوجد في مجموعة القوانين المجرية المراسيم العامة المتضمنة العهد المجري ا نظر القانون الدستوري تأليف ستيفانو دي فريس. بودي ص135، 148، 157، نقلاً عن الدكتور إسماعيل باليتش: الإسلام في المجر في القرون الوسطى].
انظر وتأمل، كذلك فعلوا بنا، ثم دخل العثمانيون هذه الديار بعدُ، فكانت السماحة والعدل. وبلغة العصر، أو بالرطانة التي علمونا إياها نقول: من الذي لا يحسن التعايش مع الآخر؟
ونسأل أيضًا: مَنِ الذي عليه أن يغير ثقافته، ثقافة الكراهية ؟ مَنِ الذي يجب أن يغير خطابه الديني ؟

د.عبد العظيم الديب