مقالات تربوية

ألقـــوا هـــذا

switch off icon switch on icon

وفي حديث أنس رضي الله تعالى عنه – أنه قال: “إذا كان يوم القيامة، جاءت الملائكة بصحف مختمة، فيقول الله عز وجل: ألقوا هذا، واقبلوا هذا. فتقول الملائكة: وعزتك ما كتبنا إلا ما كان. فيقول الله عز وجل: إن هذا كان لغيري، ولا أقبل اليوم إلا ما كان لي“.

يا ويلنا !! إن الناقد بصير (سبحانه وتعالى)!!

الملائكة تكتب، الحفظة تسجل، الصحف تمتلئ، ولكن !! من لنا إلا نفاجأ يوم الفزع الأكبر، بالهول الأعظم: “ألقوا هذا” . إن الملائكة خلقٌ من خلق الله، مثلما نحن خلقٌ من خلقه سبحانه، هم حفظة، وهم أمنة، يكتبون ما كان. أما لم كانفأمره إلى الله وحده يعلم ما في الصدور وما توسوس به الأنفس.

وقد ورد إن الملائكة يرفعون عمل العبد، فيكثّرونه ويزكونه، فيوحي الله تعالى إليهم: أنتم حفظةٌ على عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدي لم يخلص في عمله، فاجعلوه في سجّين (كتابٌ جامع لأعمال الفجرة من الثقلين).

وإن الملائكة ليصعدون بعمل العبد يستقلّونه (أي يرونه قليلاً)، فيوحي: إنكم حفظة على عمل عبدي، وأنا رقيبٌ على ما في نفسه، فضاعفوه، واجعلوه في عليين.

هذه هي المقاييس!! وهذه هي الموازين!! هذا على كثرته في سجّين، وهذا على ضالته وقلّته في عليين، {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}[الأعراف:8].

يستطيع من يستطيع أن يخادع الناس، فيرفع رايات الحق، ويحمل لواء الإصلاح، ويلبس مسموح الهداة، وشارات الأئمة، ويتخذ سمت الدعاة، ويتشدق بكلام المصلحين، بل قد يذهب إلى أبعد من هذه المظاهر، والطقوس، فيعمل من الخير والبر، ومن التعبد والتنسك، ما ينال به حسن الذكر، وطيب الأحدوثة.

ولكن هيهات هيهات !! كل ذلك يكون في سجّينوالعياذ بالله.. ومن هنا ورد في الحديث أول ثلاثة تُسعّر بهم النار يوم القيامة:

 

  1. قارئ.
  2. وشهيد.
  3. ومتصدق.

نعم قارئ !! أيْ قارئ للقرآن عالم به معلّم إياه، فيقول: يا رب قرأتُ القرآ وفقهته وعلمته!! فيقال له: نعم، ولكنك فعلت ليقال فلان قارئ، وقد قيل. ويؤمر به فيسحب على وجهه في النار!!

ويؤتى بالشهيد .. نعم شهيد!! فيقول: يا رب قاتلت في سبيلك، وجاهدت حتى قُتلت!! فيقال له: نعم، ولكنك قاتلت ليقال جريء ويقال شهيد، وقد قيل، ويؤمر به فيسحب في النار على وجهه.

ويؤتى بالمتصدق، نعم متصدق!! فيقول: يا رب أنفقت مالي في سبيل مرضاتك، أديت الزكوات المفروضة وتصدقت، وأعنت، وبذلت في سبيلك!! فيقال له: نعم، ولكنك تصدقت وأنفقت ليقال متصدق، وليقال منفق، وقد قيل، ويُؤمر به فيسحب على وجهه في نار جهنم!!

هذه أفضل القربات: القرآن وعلمه، الجهاد والشهادة، البذل والصدقة، تردَّ على أصحابها – والعياذ بالله – ما لم تكن خالصة لله سبحانه ويؤاخذون بها.

وصدق الله العظيم: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:5]، ولعظمة الإخلاص وعزته قال صلى الله عليه وسلم – لمعاذ رضي الله تعالى عنه – : “أخلص دينك يكفيك العمل القليل“.

وكان الصالحون من سلفنا الكرام يقولون: “طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا وجه الله تعالى“.

ونحن اليوم تتوزعنا هذه الحياة بمنازعها، مشاربها، وتتفرق بها السبل وتتشعب، وتثور بها الأهواء، وتتجاذبها الأغراض، وسبحان من ينجي.

فلينظر المرء في نفسه، إذا قال، وإذا أشار، وإذا خطا، وإذا جلس، وإذا قرأ، وإذا كتب، وإذا وإذا

فلينظر المرء في عمق قلبه، وليعلم أنه سبحانه وتعالى مطلعٌ على خفيات الضمائر، ومكنونات النفوس، ولنتذكر أنه سبحانه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، وأنه جل وعلا أغنى الشريكين عن الشرك.

سبحانك ربي لا ملجأ منكم إلا إليك..

وعذرًا قارئ الكريم: إذا قطعت ما كنت بسبيله من حديث، لأذكّر نفسي – قبل أن أذكر غيري – بهذا الذي قلته اليوم، وأسأل الله لي ولك السلامة من الزلل، والخطل، إنه سميع مجيب.

د.عبد العظيم الديب