مقالات تاريخية

راية الإسلام

switch off icon switch on icon

إنما هو البحث عن الجذور

ليس ما نتناوله في هذه الكلمات – التي نطرحها على أبناء أمتنا – فكرًا تبريريًا، يحاول أن يبرر تخلفنا وهواننا، ويبحث عن المشجب الذي يعلق عليه أخطاءنا ويرد إليه أسباب ضعفنا، ويحمله وحده تبعة ما نحن فيه.

وليس أيضًا تفسيرًا (تآمريًا) للتاريخ، يفسر الأحداث على أنها من صنع أيدٍ خفية تمسك بالخيوط تحرك بها الأحداث، وكأنها الأحجار على رقعة الشطرنج.

ليس هذا ولا هذا أريد.

ولكن

ولكن نريد أن نتتبع جذور الأفكار وأصولها، والأوكار التي نبتت فيها، والسموم والأحقاد التي تغذت بها, وما لم نصل إلى ذلك لن نستطيع أن نجتث هذه الجذور، ونطهر فكر أجيالنا وثقافة أبنائنا من سمومها.

ثم إننا حينما نعرف هذه (الجذور) وندرك مصدرها سنعرف عدونا الحقيقي، وحينئذ نحسن الحوار مع (الأساتذة الكبار) فنرد أفكارهم إلى أصولها وجذورها، فلا نحملهم تبعتها ونؤاخذهم بجريمتها.

وأؤكد أيضًا أننا عندئذٍ لن نتهم (الأساتذة الكبار) في نياتهم، حيث نعرف سر خطئهم والفرق واسع جدًّا بين المخطئ والمتآمر، وربما لو دار الحوار من هذا المنطلق لكان له من الثمرة ما نرجوه.

فهؤلاء (الأساتذة الكبار) مع تبنيهم للدعوة إلى العلمانية وحملهم الأمة على منهج (التغريب) لا يريدون – فيما هو ظاهر لنا – إلا الخير، وعلينا – إن كنا نقصد وجه الله وحده – أن نجادلهم بالتي هي أحسن، كما أمر سبحانه في شأن من هو أسوأ منهم.

ثم أؤكد أن استعمال لفظ (الأساتذة الكبار) لا يراد به أبدًا السخرية، فحاشاي أن أخالف (المنهج) وإنما هذا اللفظ استعمله في وصفهم شيخي وأستاذي الأستاذ محمود شاكر مدَّ الله في عمره ونسأ في أثره.

هذا هو سيد الأدلة:

حتى لا يكون كلامنا عن مراكز التبشير ومؤسساته التعليمية التي أنشأها في بلادنا كلامًا عامًا فضفاضًا، وحتى لا يكون تجنيًا على القوم وظلمًا لهم، نعرض لبعض أقوال واعترافات لمسئولين كبار تؤكد – بالإضافة إلى ما قلناه سابقًا – صدق ما نقول، ولا تدع مجالاً لمشكك أو مرتاب.

كتب رئيس أحد المعاهد التبشيرية الكبرى بحثًا في إحدى مجلاتهم يبين دور مؤسسته، ومكانها، ويحدد واجباتها، ويرسم لها طريقها، ويتحدث عن آثارها، فكان مما جاء فيه:

إن الجامعة – يقصد جامعته التي يديرها – توفر مناخًا نفسيًا، لا يستطيع واحد الإفلات من تأثيره“.

انظر يؤكد الرجل بكل صراحة سيطرة المناخ النفسي، ولاحظ المناخ النفسي حيث يتم التغيير من الداخل. ثم يستمر قائلاً:

والطالب لا يعي حقًّا التغيرات الحاصلة دائمًا في داخله، وقد يُنكر، بل نية حسنة، أنه يتأثر تأثيرًا شديدًا بمحيطه“.

هنا مكمن الخطر فعلاً وحقًّا، والرجل يُدرك ما يحصل في نفوس الطلاب!! “الطالب لا يعي حقًّا التغيرات الحاصلة بداخلهوضع تحت كلمة بداخله عشرين خطًّا، وانظر أيضًا: “الطالب ينكر بكل نية حسنة أنه يتأثر تأثرًا شديدًا بمحيطه، قارن هذا بما تراه عند (الأساتذة الكبار) تجدهم فعلاً لم يعوا التغيرات التي حصلت لهم، وتجدهم يصرخون في وجهك، منكرين بحسن نية أنهم لم يتأثروا تأثرًا شديدًا بمحيطهم، أليس هذا هو الواقع؟! ألم أقل لكم إنهم معذورون.

لم تنته الاعترافات بعد، فالرجل يستمر قائلاً: “وثمرة هذه البذرة قد لا تأتي إلا بعد مدة طويلة من مغادرة الطالب للكليةفالرجل واثق بأنه مسخه من الداخل، ولاحظ استعمال لفظ (بذرة) فهو غير متعجل للثمرة، فما بين (البذرة) و(الثمرة) مسافة طويلة لا تهم، المهم أنه عرف كيف يضع (البذرة) في مكانها الصحيح.

ولذلك يقول مطمئنًا: “فحينما يذهب هذا الرجل يمهد الطريق للتربية، ويهدم الطغيان – يقصد قوة الدولة الإسلامية طبعًا – ويخفف حدة التعصب – يقصد تعصب المسلمين طبعًا – “.

ولك أن تتساءل كم من (القادة) قادرة الفكر والرأي، والفلسفة والفن، تخرجوا في هذا المعهد وأُعدوا هذا الإعداد! وفي المؤكد أن هذا المعهد ليس فردًا وإنما هو نمط ونموذج، وصورة لكل معاهد التبشير وأوكاره.

وهذا أيضًا ليس استنتاجًا منا، فالرجل يقوله صراحة، حيث وصف جامعته هذه بنفسه قائلاً: “وهي مؤسسة تبشيرية متميزة، وهي نموذج مطابق تمامًا للكليات والمشروعات التبشيرية الأخرى، ليس لها بالتأكيد علامات مشروع تبشيري تقليدي، ولكنها في الوقت الذي تسخر فيه جهودها لإعطاء الطلاب تربية عصرية صلبة، وتصنع منهم مهنيين فاعلين، لا تعتبر أن مهمتها قد انتهت، بل إنها تهدف في الأساس إلى تعليم طلابها، مما تتمسك هي به كقيمة أسمى في الحياة“. وهو إن تبنى المثاليات النصرانية وهو الأسلوب الأفضل لتحضير الإنسان ليلعب دورًا ذا قيمة في هذه الحياة.

وانظر حولك لترى كيف وإلى أي حد تحققت هذه الأهداف!! وكيف تحولت قيادتنا الثقافية والفكرية إلى الإيمان بهذه القيم التي قادت إليها، ودعت إلى تثبيتها المؤسسات التبشيرية.

وهذا الكلام يقصد به طبعًا أبناء المسلمين الذين يدرسون عندهم وعلى أيدهم، فما بالك بغير المسلمين حين يتخرجون في هذه المعاهد ويقودون الفكر والثقافة والفن في أمتنا لنحو قرنٍ كامل!!

والتزامًا بالمنهج والإنصاف نقول: إن هناك معادن صلبة استعصت على الصهر والتشكيل، فخرج من هذه المعاهد بعض من أصحاب الفكر النقي والعقل السوي.

والآن ألست ترى معي أن (الأساتذة الكبار) معذورون، فهم لا يشعرون ولا يدركون. ولو كان الأمر بيدي لجمعت هذا التاريخ ليدرس ويعلم في معاهدنا ومدارسنا، لنعرف كيف كان ما كان.

د.عبد العظيم الديب