الزواج المبكر بين الرفض والقبول
وسط هذه الصعوبات التي تبدو من المجتمع أمام كل شاب يريد أن ينشئ أسرة جديدة وفي أجواء تواضع عليها أغلب أفراد المجتمع في أن الزواج يبدأ التفكير فيه بعد التخرج في الجامعة وإعداد كل فرد لنفسه ماديًا ووظيفيًا حتى يمكنه البدء في مشروع الزواج، يأتي د. عبدا لعظيم الديب باجتهاد جديد يدعو فيه إلى أن الأصل في الزواج هو التبكير لا التأخير، ويرى أن هذا العرف الذي شاع بيننا هو نتاج الثقافة الاستهلاكية التي غزت علينا العقول والقلوب، كيف يكون هذا الزواج؟ وما هي مقتضياته وكيف يتم التغلب فيه على صعوبات الحياة، ومن أين ينشئ الطالب المتزوج بيته؟ هذا هو ما سوف يطرحه د. الديب في هذا التحقيق، على حين يعارض د. عبد الله عتيبة (طبيب) والأستاذ عبد الوهاب هزاع (اجتماعي) هذا الرأي في هذا التحقيق.
د. عبد العظيم الديب أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية بجامعة قطر:
لا نستطيع أن نتكلم في مثل هذا الأمر من غير أن ننظر لتواضعات المجتمع، فتواضع المجتمع وتعارفه له أثر في الحكم، وهذه القضية من القضايا الكثيرة التي فيها جانب اجتماعي وجانب شرعي، والجانب الاجتماعي في هذه أغلب، فمن المعروف المشهور أنه يجوز التزويج للصبيان وما زاوج السيدة عائشة – رضي الله تعالى عنها – بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ببعيد، وحث النبي على الزواج وارد في أكثر من دليل، نذكر منها: (يا معشر الشباب من استطاع منك الباءة فليتزوج) معروفة مشهورة. فإذا جئنا لعصرنا هذا هل يجوز؟ الجواب شرعًا: نعم.
وأما اجتماعيًا وعرفًا فكم أتمنى أن أقول نعم وألف نعم، أتمنى أن تعود الأسرة الواسعة الممتدة وأن تعود هندستنا المعمارية إلى وضعها الأصيل، وتنفك من هذه البيوت الممسوخة التي استوردنا نماذجها من الغرب، بمعنى أن يتاح في البيت حجرات ليتزوج فيها الأبناء، وهم في كنف الوالدين، وهذا أحصن للفرج وإغض للبصر، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
إن الله تعالى الذي خلق الإنسان وركز فيه هذه الغريزة التي تبلغ كما لها في الخامسة عشرة من العمر كيف نكبتها ونؤجلها ونقاوم الفطرة والطبيعة والخلقة بحجة أن الفتى لم يستعد بعد، لم يستعد بماذا؟ بالبيت الخاص والأثاث الإيطالي والرياش الفاخر، والديكور والخادم والسيارة… ويظل الفتى يغالب طبيعته وغريزته إلى الخامسة والعشرين والثلاثين والخامسة والثلاثين في بعض البلاد، فأي زواج هذا ولماذا يفرض المجتمع هذه القيود في الحلال؟
إن الفتى الذي يبلغ منذ الخامسة عشرة تقريبًا ويرى من حوله ما يرى من مظاهر، مضطر للبحث عن وسائل بعضها ضار مضر قاتل مثل إدمان النظر وإدمان التفكر وإدمان … وبعضها لمن لم يحفظه ربه في الفحش، بل البعض يقعون في الآثام، فلماذا نسد أبواب الحلال؟
بينما نسمح لأفلام الجنس وتجارة الصور والاختلاط أن تعسًا لهذه الأعراف التي صنعناها أغلالاً ووضعناها قيودًا على أبنائنا وإنشاء أسرنا.
وكم أتمنى أن تعود الأسرة الممتدة فينشأ الأبناء في أحضان آبائهم ويتمون تعليمهم وهم في هذه الأحضان الدافئة. وينشأ الأحفاد في أحضان أجدادهم وآبائهم فترابط الأسرة وتشتد قوتها وتماسكها وحينئذ سيقل الاستهلاك في عالمنا إلى ما يقرب من النصف، فالهاتف والسيارة والمائدة والأفران واحدة، لكن الذين صدروا إلينا هذه الثقافة – ثقافة الاستهلاك – لكي تروج منتجاتهم وتروج بضاعتهم وتتحطم مجتمعاتنا.. فما نشكوه الآن من عقوق هو بسبب تلك الثقافة الاستهلاكية.
هل أنت مع زواج الشباب مبكرًا؟
لا يوجد زواج إلا أن يكون مبكرًا، وغير المبكر لا يسمى زواجًا، فإن الزواج يعد ذلك بعد وفاء بشكل (كبر فليتزوج).
وهل يتلاءم الزواج المبكر مع أهمية توافر قدر معين من الإمكانات؟
ما معنى أن يكون نفسه؟ إن هذه هي المفاهيم المادية التي دمرت الأسرة العربية والإسلامية، وهذا هو المفهوم الكنسي الغربي أن يكمل ممتلكاته: الفيلا، والسيارة، بواحدة أخرى هي الزوجة، كيف يبلغ في سن الرابعة عشر (سن الزواج) ويظل حتى سن الثلاثين حتى يكمل أو يكوِّن نفسه؟ إنه صالح من (16) سنة للزواج، فإذا تزوج في سن الثلاثين أو الخامسة والثلاثين – أي بعد (21) سنة – قدرة على الزواج، فمتى يؤدب ابنه (سبعًا) ويلاعبه (سبعًا)؟ .. إن من يتزوج في سن الخامسة والثلاثين يحتاج لمن يناوله الدواء!!
هل يمكن أن يكون الموقف الاجتماعي الحالي الذي يؤخر سن الزواج ذا صلة بتخطيط خارجي يتعرض له شباب الأمة؟
على ما روي من حديث (من كان عنده صبي فليتصابى له) إذا كان هذا واردًا، فكيف يتصابى زوج (من تزوج) في الأربعين من عمره؟ إنه بالفعل تفكير يهدد الأسرة المسلمة.
إن تأجيل الزواج أدى إلى أمرين خطيرين هما: الأول تمزيق الأسرة المسلمة، فقد صارت (أسرة ذرية) وهي الزوج والزوجة والأولاد.. أما الأسرة التي تجمع المتزوجين في بيت واحد، فقد اختفت، وكانت تلك الأسرة تقوم بتقوية الروابط بين الأبناء والأعمام، وكانت تؤدي من ناحية أخرى إلى حسن التربية، فالطفل ينشأ في أسرة ممتدة: عدد من الأبناء المتزوجين فيحصل على قدر كبير من الحنان والرعاية أكثر من الذي ينشأ في الأسرة الذرية: فالأم لا يمكن أن تعطي ابنها كل الحنان والوقت، فقد كان ينتقل من حضن عمته إلى جدته إلى زوجة عمه، ويظل في محضن الحنان طوال صباه فيخرج إلى الحياة ممتلئ الحنان.
الثاني: ضياع وفقدان القيم، فإن الجنوح الذي يظهر كثيرًا في أبناء هذا العصر هو بسبب الحرمان من الحياة.
إن الزواج المبكر والأسرة الممتدة هما الوسيلة الوحيدة لنقل تجارب وخبرات الأجيال والقيم من جيل إلى جيل.
الشاب محسن الهاجري (قاص قطري بملتقى الأدباء والكتاب وطالب جامعي): الزواج المكبر بالنسبة لنا ولجيلنا أكثر طرحًا وتناولاص، لأننا أصبحنا في حاجة ملحة له، نظرًا لظهور العديد من المشكلات في وقتنا الحاضر، فلقد أصبح الشباب يعاني كثيرًا وخاصة في فترة المراهقة، ويأتي الزواج المبكر بأهميته الكبيرة ليتيح الاستقرار والراحة للشاب في هذه الفترة الحرجة والمضطربة من حياته، ويكون ذلك بإمكانات بسيطة.
هل أنت مع زواج الطالب والطالبة؟
د. عبد الله عتيبه (طبيب):
أنا ضد هذا الزواج، لأن الزوجين اقتصاديًا غير مؤهلين، ولم ينضجا اجتماعيًا لتحمل المسئوليات، فتجاربهما في الحياة قليلة، وكيف يجدان الوقت للدراسة مع مسئوليات الحياة خاصة لو رزقا بأولاد؟ فليست المسألة هي القدرة الجنسية، بل القدرة النفسية.
ففي الماضي كان مجيء الزوجة إلى بيت العائلة لا يؤثر كثيرًا، فالزراعة والأعمال جماعية، ولا يؤثر ذلك على عمل الفرد في الحقل، أما الاستقلالية الحالية فهي غريزة طيبة.
عبد الوهاب هزاع (مشرع اجتماعي):
أرى أن هذا الزواج غير ناجح لأن الطالب ما يزال صغير السن، وبالتالي يكون تفكيره غير ناضج، فلا يستطيع التصرف بعقل واتزان في المشاكل اليومية وبخاصة في هذا الزمن الذي تعقدت فيه الحياة.. وإذا أخذت جانب الاقتصاد والقدرة على مواجهة مصروفات الحياة فإنه لا يستطيع ذلك، فليس له دخل حتى وإن كان له دخل اعتمادًا على والديه، فهذا الجانب أو هذا الدخل غير مضمون لأنه يكون رهين مفاجآت، فهو مقترن برضا والديه عنه وعن زوجته وأولاده، وكأب فلا أوافق على زواج ابنتي بطالب، وأرى أن حالات الطلاق تكثر في هذا الزواج.
مقالات تربوية أخرى
بالرقص لا تحيا الأمم
فاليوم التقط سمعي حوارًا حول موضوع تبنت منه لأول وهلة أنه حول شأن يخص (فلسطين) فوجدتني منجذبًا إليه، فكل ما هو عن فلسطين لا يجذبني وحدي، ولكن يجذبني وكل الجيل الذي أنا منه - جيل النكبة - ذلك الجيل الذي تفتحت مداركه أيام كان القلب خليًا والعمر نديًا، على مشروع التقسيم، ومعارك 1948 و 1949م، فعاش المأساة في قمتها، ورأى قوافل المتطوعين من أترابه وأقرانه، وعرف كيف أبلوا البلاء الحسن، وكيف استشهد منهم في الميدان من استشهد، وكيف كان ما كان!!
د. عبد العظيم الديب
بر الوالدين
فُطر الإنسان الكريم على أن يعرف لوالديه حقهما من غير أن ينبه أحد أو يُرشده إلى ذلك، فمن الطبيعي جدًّا والمنطقي جدًّا أن يبر الإنسان والديه، وليس في حاجة إلى هذه التوصية لو كان مستقيم الطبع سليم النفس، فإن الإنسان يتميز عن جميع الكائنات التي خلقها الله سبحانه وتعالى بميزة .. ما هي؟ العقل..
د. عبد العظيم الديب
إلى عابد الشيخ وإلى كل الشهداء
بالرغم مما هو كائن، وبالرغم مما هو محيطٌ بنا من همّ، بل امتهان وهوان، في بورما، في البوسنة والهرسك، في ألبانيا، في سيلان ... بل في عمق ديار الإسلام، بالرغم من كل ذلك فمن حقنا أن نرفع رأسنا لحظةً، وأن نرنو إلى (كابول) مهللين مكبرين، حامدين شاكرين، من حقنا أن نستعذب طعم النصر الذي طالما حُرمناه، وأن نستروح أريج مجدٍ نسيناه، سائلين الله سبحانه أن يتم نعمته بجمع الكلمة، ووحدة الصف، وأن ينجح إخوتنا هناك في معركة السلم، كما نجحوا في معركة الجهاد، والفداء، والاستشهاد.