بروتوكولات إسرائيل
”اإلسرائيلي” االختراق بروتوكوالت
هويدي فهمي
2004 / 6 / 1 اإلماراتية الخليج صحيفة
عملية في الغائب الحاضر كانت ”إسرائيل” الماضي: األسبوع أخبار نشرة من سقط مهم عنوان هذا
لف م إلغالق الطريق تفتح التي السودان، تحرير وحركة الخرطوم حكومة بين البروتوكوالت آخر توقيع
حين في مرحلياً، الحدث بذات نحتفي ألن يدعونا ما وهو عاماً. عشرين منذ الجنوب في المستعرة الحرب
الحكاية. فإليك ولماذا؟ كيف؟ أما استراتيجياً. مآالته تزعجنا
) 1 (
وحيدة الخرطوم حكومة وخاضتها العباد، وأنهكت البالد خربت التي الحرب بإنهاء واجب احتفاؤنا
أنه إال الجنوب. في االنفصالي الطرف وراء اإلنس أبالسة احتشد حين في الوقت، طول الظهر. ومكشوفة
هللا، لوجه الجنوبيين يساندوا لم األبالسة أولئك أن نكتشف سوف الفكرة، وتجيء السكرة تذهب حين
إن قائل يقول ن أ وقبل مقدمتها. في مصر بخناق اإلمساك يعد التي والبعيدة، المتعددة مراميهم لهم وإنما
والثانية بها، مقطوع المؤامرة أن أوالهما اثنتين، بكلمتين أرد فإنني المؤامرة، منطق يستعيد الكالم هذا
الشمس وجود ينكر كمن سيكون فإنه ذلك، بعد ينكرها أن أراد ومن بوجودها. ”إسرائيلياً” ً اعترافا ثمة أن
بصره أصاب مما نفسه يعالج أن وعليه عندنا. يس ول عنده ستكون المشكلة إن بحيث األرض، دوران أو
. عقله أو
”مركز عن الماضي العام في صدر صفحة مائة من كتاب في وارد أعنيه الذي ”اإلسرائيلي” االعتراف
وحركة ”إسرائيل” هو: الكتاب عنوان أبيب. تل لجامعة التابع ”، وإفريقيا األوسط الشرق ألبحاث ديان
تبين متقاعد) (عميد سابق ضابط فهو مؤلفه أما االنطالق. ومرحلة البداية قطة ن السودان جنوب تحرير
فرجي. موشى اسمه (الموساد)، ”اإلسرائيلية” المخابرات في القرار بدوائر الصلة وثيق أنه معلوماته
المخابرات به قامت الذي الكبير الدور بالتفصيل يشرح أنه أولهما أمرين، في تكمن الكتاب أهمية
أو والمال. والخبراء بالسالح اإلمداد صعيد على سواء الجنوب، تحرير حركة مساندة في ”اإلسرائيلية”
أنه خطورة أو أهمية يقل ال الذي الثاني األمر لمصلحتها. والسياسي الدبلوماسي التأييد حشد صعيد على
عام، بوجه العربي م العال إلضعاف ”إسرائيل” استراتيجية ً أيضا بالتفصيل الخصوص وجه على يشرح
اتفاقية مصر توقيع بعد حتى استمرت الحثيثة الجهود تلك أن وكيف الخصوص. وجه على مصر وإضعاف
م. 1979 عام في ”إسرائيل” مع السالم
في ”اإلسرائيلية” االستراتيجية ”بروتوكوالت” تسجيل بمثابة مجمله في الكتاب إن قلت إذا أبالغ ال لعلي
وممارساتها سياساتها على الضوء تسلط التي المثيرة المعلومات من هائالً ً كما يتضمن أنه ذلك المنطقة.
أية تقوم أن ً متمنيا مختصراً، مضمونه بعرض لالكتفاء مضطر أنني أسف ومن وإفريقيا. العربي العالم في
وينسج نا ل يدبر مما مهم جانب على الجميع أعين تنفتح لكي وتعميمه، الكتاب بطباعة عربية نشر جهة
. مكترثين غير أو الهون ونحن حولنا، من
) 2 (
مع تعاملنا في الثغرة هذه عالج على العمل من بد وال محدودة، ومواردنا وإمكانياتنا صغير، شعب ”نحن
بين القائمة العالقات وخاصة لديها. الضعف نقاط وتشخيص معرفة خالل من العربية، الدول من أعدائنا
إلى النهاية في لتتحول النقاط، هذه وتعظيم تفخيم في نسهم بحيث والطائفية، العرقية ت واألقليا الجماعات
احتواؤها”. أو حلها يصعب معضالت
من وغيرهم الجيش قيادات إلى ل”إسرائيل” وزراء رئيس أول جوريون بن ديفيد وجهه الكالم هذا
إلى األوامر صدرت أعقابه وفي الخاصة. والمهمات االستخبارات وأجهزة األمنية المؤسسة عناصر
وكان معها. العالقات وتوثيق المنطقة، في األقليات بزعامات االتصال تتولى بأن ”اإلسرائيلية” األجهزة
أن األول لسببين، األولى االتصال اختبارات في ”اإلسرائيليون” بها اهتم التي الدول مقدمة في العراق
المناطق في وخاصة اليهودية، السرية الحركة نشاط إبان ربعينات، األ منذ بالفعل ممتدة كانت ً جسورا هناك
للعالم المجاورة الدول مع خاصة عالقات إقامة فكرة يخدم التوجه ذلك أن هو الثاني السبب الشمالية.
انخرطت الثالث الدول أن (الحظ تركيا نحو مفتوح وطريق إيران، إلى باب العراق أن باعتبار العربي،
). األمريكية المتحدة الواليات ورعته الناصرية، مصر ضد وجه الذي بغداد، حلف باسم عرف ا فيم ً الحقا
في الخبراء من العديد ضم عمل فريق الخمسينات مطلع في جوريون بن شكل السياسة هذه لتنفيذ
التالية: الشخصيات ضم والسياسية االستراتيجية الشؤون
العسكرية. القوة وبناء اتيجية االستر الشؤون خبير جاليلي”، ”إسرائيل
اإلسكان. ورئيس العسكرية الشؤون خبير باوين”: ”ايجال
أخص. بوجه منها والسورية والعربية السياسية، الشؤون خبير ساسون”: ”موشيه
وإيران. األكراد ً خصوصا األقليات، مع السرية العالقات خبير شيلوح”، ”رؤبين
. واالتصال السياسية الشؤون خبيرة مائير: جولدا
هي: ركائز ثالث على تقوم استراتيجية وضع إلى اجتماعات عدة بعد توصل الفريق هذا
دون والحيلولة ”إسرائيل”، أمن حماية على قادرة ردع بقوة لالحتفاظ متفوقة عسكرية قوة بناء أوالً: *
أن العرب بمقدور أن حين في ”اإلسرائيلي”، الوجود تهدد واحدة هزيمة ألن بها، هزيمة أية إنزال
هزيمة. من أكثر يتحملوا
”شد لسياسة ً تطبيقا العربي، بالعالم المحيطة الدول أهم مع والتحالف التعاون عالقات توثيق ثانياً: *
تركيا هي األنظار إليها توجهت التي والدول المحيط. بحلف عرف ما إقامة استهدفت التي األطراف”،
جدار في الركين ”الركن – المؤلف تعبير بحسب - اعتبر ما وهو ثالثاً. وإثيوبيا ثانياً، وإيران أوالً،
عالقات إقامة في ”اإلسرائيلية” الجهود نجحت الخمسينات منتصف في اإلسرائيلية”. الخارجية السياسة
من فريق أداره الذي إيران، صوب التحرك بدأ مباشرة ذلك بعد المجاالت. مختلف في تركيا مع خاصة
الجوار” ”حلف صرح بناء والستكمال إيرانية. أصول من بعضهم كان الذين اإلسرائيليين”، ” الخبراء
لكي وسرية، علنية إثيوبيا، مع نشطة اتصاالت جرت أمنهم، وتهديد العرب على للضغط به لالستعانة
. لشمالية وا الشرقية ناحيتيه من اكتمل بعدما العربي، الوطن من الجنوبي مركزه عند المثلث زوايا تكتمل
الوطن في والطائفية العرقية األقليات مع تحالفات عقد في تمثلت االستراتيجية في الثالثة الركيزة *
أطول. وقفة تتطلب مسألة وهذه العربي،
) 3 (
غير بدول المحاطة األقطار تلك سيما ال العربية، األقليات مع خاصة عالقات بإقامة ”إسرائيل” اهتمت
الذي الخبراء فريق الخمسينات بداية في السياسة هذه رسم وقد ). والسودان يا وسور (العراق عربية
وموشى ساسون وايلياهو شيلواح ”رؤبين من كل وتفسيرها شرحها في أفاض وقد جوريون بن شكله
الدول مع المشاكل افتعال طريق عن إما العربية الطاقة تشتيت على العمل استهدفت حيث ”، شاريت
األقطار، تلك في تعيش التي األقليات مع التحالف خالل من أو العربية، غير الجوار ل دو عبر العربية
واألقباط سوريا، في واألكراد والدروز لبنان، في والموارنة السودان، جنوب وسكان العراق، في كاألكراد
. مختلفة عربية دول في أخرى وأقليات مصر، في
أن سنجد - والعلنية منها السرية - المضمار هذا في اإلسرائيلية” ” الجهود إزاء متأنية نظرة ألقينا وإذا
على وتحفيزها شحذها بهدف األقليات هذه مع العالقات مجال في المتخصصين الخبراء جندت ”إسرائيل”
يؤرام شيلواح، ”رؤبين هؤالء مقدمة في وكان بها. الخاصة العرقية الكيانات وإقامة واالنفصال التمرد األكراد. مع الحوار وإجراء للتحرك اربيلي” وشوشانا فرات بن مردخاي لوبراني، ي اور نمرودي،
األقليات مع للتعامل - الموساد جهاز رئيس - هرائيل” و”ايسر ” ساسون” ”ايلياهو من كل إلى وأسندت
ولبنان. سوريا من كل في
االستراتيجية واستيعاب فهم في بمكان األهمية من يعتبر باألقليات الخاص األخير المرتكز هذا
التعبير على المنطقة في األقليات وحث تشجيع يتم خاللها من والتي العربية المنطقة إزاء ”اإلسرائيلية”
هذه طبيعة كانت ً أيا األم الدولة عن واالستقالل المصير تقرير حق على الحصول درجة إلى ذاتها عن
السعي أو - تأكيد األساسي هدفه كان المنطق هذا مثل أن في شك وال والنوعية، الحجم حيث من األقليات
واحدة. وحضارية ثقافية وحدة تشكل أنها ً دوما العرب يؤكد كما ليست العربية المنطقة أن حقيقة - لتأكيد
تصوير ”إسرائيل” اعتادت وقد واالثني. والديني اللغوي والتعدد الثقافات من متنوع خليط هي وإنما
ما والقومي والديني اللغوي التعدد أشكال من معقدة شبكة ظهرانيها بين تضم سيفساء ف أنها على المنطقة
وكاثوليك وبروتستانت ويهود ودروز وبهائيين وأكراد و”إسرائيليين” وأرمن وأتراك وفرس عرب بين
. الخ وآشوريين.. وتركمان وشركس وموارنة وسنة وشيعة وصابئة وعلويين
تاريخ يوجد ال وأنه أقليات مجموعة إال هي ما المنطقة أن على اإللحاح ن م ذلك في ”إسرائيل” انطلقت
تحقيق ذلك من والغاية حدة. على أقلية كل تاريخ هو الحقيقي التاريخ يصبح ثم ومن يجمعها، موحد
للتصور ً فتبعا العربية، الوحدة إلى والدعوة العربية القومية مفهوم رفض هما: أساسيين هدفين
. اإلطالق على موضوع ذات غير تكن لم إن الغموض يحيطها فكرة العربية القومية تصبح ”اإلسرائيلي”
هذه في تصبح التي المنطقة، في الصهيوني - ”اإلسرائيلي” الوجود شرعية تبرير هو الثاني: الهدف
من ل. والمحا الوهم من ضرب هو بينها وحدة قيام وتصور واللغات، والشعوب القوميات من ً خليطا الحالة
اإلطار هذا وفي بها الخاصة دولتها القوميات هذه من قومية لكل تكون أن هي المنطقية النتيجة فإن ثم
. المنطقة في القومية الدول إحدى باعتبارها شرعيتها، ”إسرائيل” تكتسب
مجموعة ففي تعبير، خير الصدد هذا في الصهيوني ”اإلسرائيلي” الفكر عن ايبان” ”أبا حديث يعد
وحدة يمثل األوسط الشرق إن القائل االفتراض على يعترض إسرائيل” ”صوت بعنوان نشرت التي كتاباته
عن فرقة في ً دائما عاشوا العرب أن ويوضح الوحدة. هذه مع تتكامل أن ”إسرائيل” على وأن ثقافية
في السياسية ئة التجز فإن ثم ومن السالح، بقوة تتم كانت القصيرة الوحدة فترات وأن بعضاً، بعضهم
من العربية، البالد تجمع التي والتراث الثقافية الروابط ألن يشاع، كما االستعمار بسبب تكن لم المنطقة
والتنظيمية. السياسية للوحدة األساس تضع أن يمكن ال نظره، وجهة
) 4 (
أنها فذكر األساسي. وموضوعه الكتاب محور هي التي األطراف” ”شد نظرية شرح في المؤلف أفاض
على العناصر تلك من واحد لكل وعرض وسياسية، وعسكرية عرقية أبعاد ذات عناصر عدة على ترتكز
: التالي النحو
إطار في عربية غير وجماعات دوالً يضم اثني تجمع لخلق دعوة بمثابة الفكرة كانت العرقية الزاوية من
وقد والجماعات. الدول تلك يهدد المد ذلك أن بار باعت العربي، القومي المد لمواجهة والتعاون العمل من
إلى األطراف تلك يدفع أن يجب التهديد ذلك خطر أن على الصدد هذا في ”اإلسرائيلي” الخطاب ركز
مندريس عدنان من كل إلى جوريون بن ووضوح بصراحة نقلها الرسالة وهذه واحد. خندق في االحتشاد
الذي المعنى هو وهذا . هيالسالسي واإلمبراطور إيران وشاه ت، الخمسينا أواخر في تركيا وزراء رئيس
عناصر من جديدة دفعة على محاضرة 59 عام في ألقى حين في الموساد رئيس عميت) (مائير عنه عبر
إثارة في ينجح أن بد ال كان القومي، المد حركة جسدته الذي العربي بالخطر التهديد إن فيها: قال الموساد
ولبنان وسوريا العراق في وخاصة العربية، الدول داخل العربية غير الجماعات لدى ية النفس النوازع
واإليراني والتركي ”اإلسرائيلي” الشعب مثل شعوب في المتمثل االثني الوجود أن كما .. والسودان
بين ية تحالف عالقة لقيام ً أساسا شكل المنطقة، على المهيمن العربي العنصر مع يتناقض الذي واإلثيوبي،
. الشعوب تلك تمثل التي والدول ”إسرائيل”
الدول تحث لكي النفطية، بالقوة المعززين العرب هيمنة من التخويف سالح ”إسرائيل” استخدمت
مائير جولدا ذلك عن عبرت وقد ”الخطر”. ذلك لدرء والتحالف االحتشاد إلى العربية غير والجماعات
المحيطة الدول إقناع في نجحنا لقد قالت: حين ، 1960 عام ال العم لحزب مؤتمر في الخارجية وزيرة
الدول هذه ويقي الخطر يدرأ الدول، تلك حول من ً سورا ليشكل الدائرة”، ”حلف إلقامة العربية بالدول
العربية. القومية حركة من ويصونها
سبيل ال أنه على ائيل” ”إسر ركزت فقد مدى. أبعد إلى ً عسكريا استثمرت العربي الخطر من التخويف فكرة
لتلك وجندت الجوار. دول وبين ”إسرائيل” بين وثيق عسكري تعاون بإقامة إال الخطر ذلك صد إلى
(رؤبين الموساد رئيس بين لقاء أول عقد السياق هذا في والسياسية. العسكرية الشخصيات أبرز المهمة
أخرى. ودول إيطاليا في اللقاءات تلك وتتابعت ، 1957 عام روسيا في تركي عسكري وفد وبين ) شيلواح
وما االجتماعات. تلك لكل الرئيسي الموضوع هو العربي المد خطر لصد واألمني العسكري التعاون وكان
أن على الدول تلك إلى الموجه خطابه في جوريون بن ركز حيث وإثيوبيا، إيران مع تكرر تركيا مع حدث
العربية غير األخرى الدول تشكل أن الضروري ومن ربي، ع شرق هو األوسط الشرق أن يزعمون العرب
واستقاللها. وجودها عن وللدفاع المقولة، تلك لدحض واحدة، كتلة المنطقة في
تنظيم إلى وأدى إثيوبيا). إيران، (تركيا، الثالث الدول مع ً وثيقا ً أمنيا ً تعاونا أثمر ”اإلسرائيلي” الجهد هذا
، 1958 عام وطهران أنقرة من كل في عقدت األربع، الدول في ألركان ا رؤساء بين عدة سرية لقاءات
وإيران تركيا إلى وأمني عسكري خبير آالف عشرة من أكثر ”إسرائيل” أرسلت التعاون ذلك سياق وفي
في ”اإلسرائيليين” العسكريين الخبراء عدد وصل حتى الالحقة، السنوات في الرقم هذا وتطور وإثيوبيا.
وإيران تركيا من كالً ”إسرائيل” زودت كما شخص. ألف 20 من أكثر إلى 78 و 77 عامي وحدها إيران
من ورشاشات وبنادق رادار وأجهزة هاون ومدافع (جبلاير) بر - بر صواريخ مثل صنعها، من بأسلحة
عوزي. نوع
أصبحت الدول تلك أن إلى مطمئنة أصبحت فإنها الصعيد، ذلك على ”إسرائيل” حققته الذي النجاح إزاء
اإلسالمية الثورة قيام بعد إليران بالنسبة الموقف اختلف وإن العرب، مواجهة في لها احتياطية قوى تمثل
. 79 عام في
اصطفاف خلق ضرورة على األطراف شد لنظرية الشاملة االستراتيجية الرؤية اعتمدت الوقت ذات في
دولة بحسبانها نفسها تقدم أن على سرائيل” ”إ وحرصت الغرب. مع ومتحالف ومترابط متجانس سياسي
تعاملت كما تركيا، مع لها ً مشتركا ً قاسما يشكل ذلك واعتبرت له. ً استراتيجيا ً وعمقا للغرب ً امتدادا تمثل
التطابق أو التشابه عوامل إلبراز سعيها وفي للغرب. بالوالء تدينان دولتان أنهما على وإثيوبيا إيران مع
حولها، من فرضت التي السياسية العزلة جدار تكسر أن أرادت ”إسرائيل” فإن جوار، ال دول وبين بينها
باعتبارها ً ودوليا إقليميا التحرك إمكانية لها يوفر أن شأنه من العربية غير الجوار دول مع تعاملها ألن
في سياسية ال غاياتها ”إسرائيل” تحقيق أن إلى المؤلف نبه النقطة هذه وفي المنطقة. في عادية دولة
مع تتوافق مصالحها أن وجدت التي الغربية القوى مساعدة لوال يتأتى يكن لم األطراف شد استراتيجية
”إسرائيل” بين المجاالت مختلف في التعاون اتفاقات جميع فإن ولذلك التحالفات. من الشبكة هذه إقامة
أخص. بوجه وبريطانيا المتحدة الواليات جانب من محدود غير ً دعما لقيت الثالث والدول
) 5 (
يعد فلم واحداً، ظل فقد هدفها أما اختلفت، أو تطورت وسائلها لكن مستمرة، زالت ما االستراتيجية
خالل من التخويف يمارس صار وإنما العربي، القومي المد من التخويف على يركز ”اإلسرائيلي” الخطاب
فقد العربي، والتفكك والضعف التداعي ظل في أنه ا كم اإلسالمية.. واألصولية اإلرهاب بأخطار التلويح
جزر فيه تقع ً عربيا بحراً تعد لم األوسط الشرق منطقة ”إن مقولة على ”إسرائيل” تركز أن ً بديهيا بات
القوى أن حين في صغيرة، ً جزرا يشكلون أصبحوا الذين هم العرب ”اسرائيل”)إسرائيل (مثل إقليمية
رأي وفي تركيا”. خاصة الجوار، ودول ”إسرائيل” على مقصورة أصبحت قة المنط في والفاعلة المؤثرة
أهدافها، لتحقيق ”إسرائيل” أمام الفرص أفضل توفر ً وإقليميا ً عربيا اآلن السائدة الظروف أن المؤلف
والجماعات األقليات واستثارة تحريك عبر الرئيسية، العربية األقطار وحدة وتفكيك تفتيت رأسها وعلى
السودان. وجنوب العراق، ألكراد بالنسبة حدث كما فيها، الموجودة ية االثن
عربية دول في أهلية وحروب صراعات وتفجير لبنان، في جديد من األوضاع تفجير محاولة وكذلك
. والجزائر وليبيا ومصر سوريا غرار على أخرى،
شد نظرية أن في يتمثل خيرة، األ السنوات في طرأ والتفتيت التفكيك استراتيجية في مهم تطور ثمة
عن بعيداً الطاقات تلك تستهلك بحيث وتشتيتها العربية الطاقات استنزاف فحسب تستهدف تعد لم األطراف
بحيث وأخطر، أبعد هو ما إلى الحدود هذه المسألة تجاوزت وإنما ”إسرائيل”. مع المواجهة ساحة
الجسد عن وفصلها العربية غير األطراف سلخ نى بمع األطراف. تلك ”بتر” إلى األطراف شد فكرة تطورت
الجوار. دول مع التحالف خالل من العربي،
في تبنيها تم التي األطراف شد استراتيجية أن ذكر الذي شيف زئيف ”اإلسرائيلي” الباحث المعنى هذا أكد
ذلك وبمقتضى الشد، وليس البتر شعار هو اآلن المرفوع أصبح بحيث تجاوزها، جرى الخمسينات أواخر
الموقف إضعاف يستهدف يعد لم بحيث تحول، الطائفية أو العرقية الجماعات إلى الموجه الدعم فإن
”البتر” لعملية خاصة أهمية يولي ”اإلسرائيلي” الخطاب أصبح وإنما ”إسرائيل”. مواجهة في العربي
العربية. الدول عن المستقلة نات الكيا وتشكيل االنفصال، في والدينية العرقية الجماعات طموحات لتلبية
إجابة نعرض هللا بإذن القادم األسبوع في حققها؟ التي النجاحات هي وما السودان؟ في المخطط نفذ كيف
أخرى. أسئلة من عنهما يتفرع وما السؤالين، على ”اإلسرائيلي” المؤلف
مقالات سياسية أخرى
الحرب في جنوب السودان .. هل بدأ التدويل؟!
هل يستطيع نظام الجبهة الإسلامية الحاكم في الخرطوم القضاء على الحركة الشعبية لتحرير السودان؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يسيطر على معظم تحليلات المراقبين السياسيين الذين بدأوا في الاهتمام بما يدور في الساحة السودانية إثر أنباء عن معارك ضارية اندلعت في بداية هذا الشهر بين الفريقين بين نفيها وإثباتها، أكدت أوساط القيادة الشرعية للقوات المسلحة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي المعارضة صحة الأنباء وقالت أنها دخلت أسبوعها الثاني.
وتؤكد هذه الأوساط أيضًا أن المعارك الحالية بدأت في أعقاب عدة دلائل من بينها الزيارة المفاجئة التي قام بها الفريق عمر البشير رئيس المجلس العسكري إلى مدينة جوبا يومي 18 19 فبراير الماضي. وكان المذكور قد أشار في خطاب له عن قرب نهاية التمرد كما يسميه، وأشار أيضًا إلى أن الحكومة ستقوم بوضع خطة لتعمير الجنوب. علمًا بأن ما جاء في خطابه هذا ظل يردده منذ العام الأول لانقلابه، وهو ما يدخل صيغة التفاؤل السابق في بند الاستهلاك السياسي.
وتستدل أوساط القيادة الشرعية أيضًا بالمعلومات العسكرية بخطة النظام والتي تشربت قبيل بدء المعارك وكشف عنها التجمع الوطني في بيان له صدر في القاهرة. وكان البيان قد حذر من خطورة تدويل المشكلة، وقال إن المعلومات المتوافرة لديه تؤكد مسعى النظام الديكتاتوري الحاكم لتحقيق هذا الغرض. وفي إطار الخطة العسكرية كشف البيان إلى أن النظام يسعى إلى تصعيد القتال انطلاقًا من خمسة محاور، الأول: الدمازين – المابان – فشلا – الناصر – كبويتا، والمحور الثاني كوستي – العباسية – رشاد – القردود. والمحور الثالث: الرنك – ملكال – بور - . والمحور الرابع: جوبا – ليريا – توريت – نمولي. والمحور الخامس: واد – طميره – يامبيو – غولي. وأشار البيان إلى ما أسماه بالخطوات الأولى للتدويل، وأكد أنه تم الاتفاق أثناء زيارة الرئيس الإيراني علي هاشمي رفسنجاني للخرطوم ديسمبر الماضي على استقدام قوات إيرانية بلغت نحو ثمانية آلاف ضابط وجندي نشروا فورًا على أطراف مدينة جوبا المحاصرة منذ عدة أشهر كذلك في المنطقة الواقعة بين مدينتي كوستي وملكال، وتبع ذلك نشر قطع من البحرية الإيرانية في البحر، وهي التي شاركت في مناورات عسكرية مع قطع سودانية وأريترية أواخر العام الماضي وبقيت منذ ذلك الوقت في المياه الإقليمية السودانية عند ميناء بورتسودان ومرفأ ترنكات.
د. عبد العظيم الديب
إلى عابد الشيخ وإلى كل الشهداء
بالرغم مما هو كائن، وبالرغم مما هو محيطٌ بنا من همّ، بل امتهان وهوان، في بورما، في البوسنة والهرسك، في ألبانيا، في سيلان ... بل في عمق ديار الإسلام، بالرغم من كل ذلك فمن حقنا أن نرفع رأسنا لحظةً، وأن نرنو إلى (كابول) مهللين مكبرين، حامدين شاكرين، من حقنا أن نستعذب طعم النصر الذي طالما حُرمناه، وأن نستروح أريج مجدٍ نسيناه، سائلين الله سبحانه أن يتم نعمته بجمع الكلمة، ووحدة الصف، وأن ينجح إخوتنا هناك في معركة السلم، كما نجحوا في معركة الجهاد، والفداء، والاستشهاد. ومن حق شهدائنا المليون أن نذكرهم اليوم، ونحن نرفع راية النصر، فالواقع أنها ما أورقت وارتفعت إلا بالدماء الطاهرة التي روّتها. رحم الله شهدائنا. رحم الله عابد الشيخ.. ذلك الشهيد الذي كتب إلينا في آخر رسالة له في الميدان قبل أن يستشهد بأيام، قائلاً بالحرف الواحد: "... الساحة تبشر بالخير، ولن يحس بآثار هذه البشارة إلا من يخرج نفسه من دائرة الماديات، ويدرك بيقين أن الله عز وجل وحده هو المتصرف بأمر هذا الكون، فينفذ أمر الله، ويتبع قوانينه وشرعه، وإن وقف العالم كله بوجهه يريد أن يثنيه عن ذلك ...". هذه من كلمات الشهيد في آخر رسالة، وحقًّا لقد قال وصدق، قال وفعل، في عصرٍ كثر فيه القائلون وقلَّ العاملون. نعم لقد خرج (عابد) من دائرة الماديات، على قوة جاذبيتها، كان شابًا في عنفوان الشباب، طموحًا منفتحًا للحياة، صاحب مواهب خارقة، تؤهله لتحقيق كل ما يصبو إليه، ذا قدرات تفتح له مغاليق الأبواب، كان بحق كفاءة نادرة، بل جملة كفاءات. كان نادرة في الذكاء والقدرات الدراسية، كان نادرًا في خلقه وصفاته، أحبه كل من عرفه من كبير وصغير، كان الشباب ينجذبون إليه ويلتفون حوله في جدهم ولهوهم، وحينما كان في عملٍ كان النجاح وكان التوفيق. لانت له الدنيا ففتحت أمامه الآفاق، الدراسات العليا (ماجستير – دكتوراه)، نال الوظيفة، ووفق للزوجة، ورزق الولد، فتحت له الحياة ذراعيها تستقبله، آملة واعدة باسمه. ولكن (أبا مصعب) لم ينخدع كما انخدعت أمةٌ بأسرها، فانخلع من دنيانا بقوة لا يملكها إلا بهبة من الله. خرج أبو مصعب من دائرة الماديات فانتصر على جاذبية الطين، وشعر بحق أن كل ما فوق التراب تراب. اتجه إلى الله صادقًا مخلصًا يطلب الشهادة، فهيأها له، وهبه إياها. كان مما قال في رسالته الأخيرة ذاتها: " ... إن حرقة القلب والروح تزداد يومًا بعد يوم، وأصبحتُ على يقين بأن المسلم لن يجد الراحة، ولا الاستقرار، إلا حينما يتغمده الله برحمته، ويدخل الجنة...". هنيئًا لك أبا مصعب !! كان هذا أملك، وعلم الله منك صدق النية، فاستجاب لك، فاهنأ بها شهادة صادقة، تحيا بها في علِّين {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}{آل عمران:169} {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}{البقرة:154} . أما نحن الذين قعدنا من ورائكم أيها المجاهدون، أيها الشهداء، فعسى الله أن يغفر لنا عجزنا وقعودنا، ويتقبل منا دعاءنا واستغفارنا وعذرنا، إنه غفور رحيم.. عبد العظيم محمود الديب واحد من القاعدين.
د. عبد العظيم الديب
إريتريا .. المأساة والتاريخ
تمهيد لابد منه:عجيب أن يظل حصار الصمت أربعة عشر عامًا كاملة.. نعم أربعة عشر عامًا من المعاناة الصامدة، وجاء الصمت الكثيف يلف الثورة الإريترية، فلم نسمع من محنة إريتريا وثورتها بوضوح إلا بعد أربعة عشر عامًا من بدئها.إريتريا المأساة والتاريخ:أربعة عشر عامًا وثلاثة ملايين مسلم يعانون التجويع والتنكيل والتشريد والإبادة بصورة تعيد إلى الأذهان محاكم التفتيش وويلاتها.وليست هذه هي المأساة، فإريتريا ليست بدعًا في ذلك، ففي كثير من أنحاء العالم يقاسي المسلمون ما يقاسيه أهل إريتريا، نعم ليست المأساة فيما يعانيه مسلموا إريتريا، فهذا قدر المسلمين، وتلك حالهم من يوم أن اصطلحت عليهم كل المذاهب، وتعاونت عليهم كل الفلسفات، حرب في كل مكان، وصراع في كل مجال، لعل أيسره مجال النار والدم، ولكن المأساة بالمحنة التي يتعرض لها إخوتنا في إريتريا والمأساة أن تظل أربعة عشر عامًا ولا تعرف، والذين يعرفون لا يقولون لأنهم إذا قالوا لا يُصدَّقون، المأسأة الحقة هي في جهل المسلمين بحقيقة ما يراد بهم أو جهل بعضهم بما يراد للبعض الآخر، واسأل معي: كم من المسلمين يحيطون بأبعاد قضية كشمير، أو شرق باكستان، أو مسلمي الهند، أو مسلمو الاتحاد السوفيتي أو المسلمين بالصين، أو بقضية قبرص أو ألبانيا أو الظبين أو مسلمي الحبشة بعامة ثم مسلمي إريتريا.نعم المأساة في هذا الجهل الصامت، أو قل في هذه المجاملة التي أصبح المسلمون يتفنون فنونها، ويروضون أنفسهم عليها عجزًا وخوفًا، فمن أجل مجاملة الامبراطور العجوز هيلاسي ضرب الحجر اللعين على أخبار الثورة الإريترية، نعم من أجل (أسد يهودا) سليل الأسر السليمانية، قام حاجز الصمت الكئيب حول المحنة الإريترية، ولولا أن سقط القناع عن وجه الإمبراطور لما أتيح لنا أن نعرف شيئًا من أخبار إريتريا.وقد لا يغن التعليق على المأساة كثيرًا، فلندع مأساة الصمت أو مأساة التجهيل، ولنتكلم عن مأساة إريتريا، ولنحاول أن نحيط بأبعادها التاريخية وأهدافها الاستراتيجية.وربما كان من المناسب ونحن نتحدث عن إريتريا أن نلم سريعًا بكلمة عن الحبشة صانعة المأساة.الحبشة:ولو سألت أي مثقف أو أي متعلم: ماذا تعرف عن الحبشة؟ لكان جواب معظمهم هي أقدم الدول المسيحية في إفريقيا وأعرقها، وهي جامعة المسيحية في إفريقيا، وهي أقدم الدول المستقلة في إفريقيا، وهي راعية منظمة الوحدة الإفريقية، وصاحبة فكرتها. هذا ما يعرفه عامة المثقفين والمتعلمين عن الحبشة، ولكن أين الحقيقة؟لا نعرف مثلاً أن الحبشة أخضعت مدة ممالك إسلامية وضمتها إلى أملاكها بالقوة، وأن نسبة المسلمين فيها تصل إلى نحو 75%، وأن الحبشة ضالعة مع كل القوى الاستعمارية العالمية والمحلية، وأن علاقتها بمنظمة الوحدة الإفريقية كانت محاولة من الإمبراطور لاحتواء المنظمة وفرض سيطرته عليها(1).إريتريـــــــــا:كلمة إريتريا نسبة إلى بحر (إريتريا)، وهي التسمية اليونانية للبحر الأحمر، وكلمة (أرتوس) باليونانية معناها الأحمر. وتمثل إريتريا شكلاً مثلثًا تقريبًا مساحته 125000كم مربع، ضلعه شاطئ البحر الأحمر بطول 1000كم، ورأسه السودان الفرنسي، وقاعدته الحدود السودانية الإريترية عند اتصاله بمديرية كسلا، وضلعه الآخر الحدود الإريترية الأثيوبية، فإريتريا في الواقع تمثل شريطًا على ساحل البحر الأحمر بطول ألف كيلومتر تبدأ من باب المندب جنوبًا.ومن أهم مدن إريتريا ميناء (مصوع) – ومعناه مكان النداء – وقد اشتقت هذه التسمية من فعل (صوع) بلغة النيجري – أي نادى – وذلك لأن الواقف على الشاطئ يمكن أن ينادي الواقف في الجزين الموازية.وعاصمتها (أسمرا) وجوها جميل معتدل، جاف، يميل إلى البرودة طوال السنة نظرًا لارتفاعها عن سطح البحر، ومبانيها منسقة وجميلة ومعنى اسمها: الغابة المزهرة، لنضرتها وكثرة زهورها.عصب: أما عصب فمن المواني الهامة، وترجع أهميتها إلى قربها من عدن والجزيرة العربية.أما مدينة كبرين فقد كانت حصنًا مصريًا قديمًا ترتفع فوق سطح البحر 1400 متر.ثروة إريتريا: إريتريا بلد غني من الناحية الزراعية، تزرع الحمضيات والفواكه بأنواعها، وكذلك القمح والشعير، والقطن والسمسم، والفول السوداني، وشتى أنواع الحبوب، بالإضافة إلى غاباتها المنتشرة التي يستفاد من أخشابها، وكذلك نباتات ألياف الجبال.أما الثروة الحيوانية فإريتريا غنية بها خاصة الإبل والبقر والماعز والضأن، كما تمتلك ثروة سمكية ومستخرجات البحري الأخرى.أما المعادن فيوجد بإريتريا الحديد والذهب والرصاص والنيكل، والملح المعدني، والاسبستوس، وأما النحاس فقد تولت استخراجه وتصديره شركة يابانية أثيوبية، وبدأت تصديره فعلاً.أما البترول فقد تم اكتشافه أخيرًا، وهناك شواهد بترولية كثيرة تبشر بالخير في هذا المجال.وإريتريا إقليم من الأقاليم الإسلامية التي كانت منبثة في شرق إفريقيا، وقد دخلها الإسلام من عصر الخلفاء عن طريق الدعوة والموعظة الحسنة، رغم ما تعرض له الدعاة من القتل والتعذيب، ورغم محاولة الأحباش الانقضاض على سواحل الجزيرة العربية، مما اضطر الأمويين في سنة 83ه إلى وضع أيديهم على جزائر (دهلك) في مواجهة شواطئ إريتريا حماية للمسلمين بها وبالساحل الشرقي الإفريقي، وتأمينًا للدعاة، ولما استتب الأمن تتابع دخول الإفريقيين في دين الله، وحيث حل الإسلام كان الإخلاء وكانت المحبة، فتزاوج مسلمو ساحل البحر الأحمر مع مسلمي الجزيرة، وصارت اللغة العربية هي لغة إريتريا، واستمرت مرتبطة بالدولة الإسلامية منذ سنة 83ه – أي أكثر من 1300 سنة.جاء في كتاب المنريزي (الإلمام بمن في الحبشة من ملوك الإسلام): إن منطقة (ياضع) – مصنوع حاليًا – كانت نابعة لولاية الحجاز، وظلت هكذا تتبع والي الحجاز حتى تمزقت الدولة العباسية على يد الشعوبيين ثم التتار.وهبت على هذا الساحل الإفريقي المسلم رياح الأحداث، وتكونت مملكة (الفرنج) الإسلامية التي اتخذت (سنار) عاصمة لها، وضمت معظم إقليم النيل الأزرق، ومناطق ساحل البحر الأحمر من (سواكن، فصوع، فعصب، فتاجورة، فيجبوتي، فبريرة)، فراس صافون) وتم لها ذلك في سنة 1504م، أي في مطلع القرن السادس عشر(1).ومرت سنون أصاب مملكة النونج ما يصيب الدول من الشيخوخة والضعف، فتوزعتها الأطماع، وكان الغرب المستعمر قد بدأ يتجه نحو إفريقية منذ أواخر القرن الثامن عشر عندما زار الرحالون مناطق السودان، وعندما تأسست الجمعية الإفريقية في لندن سنة 1788م. وبدأت انجلترا وفرنسا وإيطاليا تتحفز لالتهاب هذا الموقع الاستراتيجي الخطير. وشاء القدر أن يقدم محمد علي باسم الدولة العلية دولة الخلاف العثمانية لحماية هذه المناطق المسلمة من مواضع الاستعمار التي بدأت تعمل في أوصال القارت الأربعة تقطيعًا وتمزيقًا.وكانت حلقات مريرة من الصراع بين (مصر) ممثلة للدولة العلية وبين الدول الاستعمارية التي لجأت إلى الإيقاع بين دولة الخلافة ومصر كي ينقل إدارة هذه الأجزاء من مصر إلى والي جدة حتى يسهل على الاستعماريين التهامها بالاتفاقيات أو الشراء أو التأجير، كما كان شائعًا في ذلك الوقت، ولكن مصر وقفت لهم بالمرصاد صامدة، ونجحت في إقناع الخليفة العثماني بالتنازل نهائيًا عن إدارة هذه المناطق وضمها إلى مصر، وبهذا صارت هذه المناطق جزءًا من السودان الذي تولت مصر إدارة نيابة من الخلافة العثمانية.وفي سنة 1877م اضطرت انجلترا إلى عقد معاهدة مع مصر وضحت حدود السودان، وبمقتضى هذه المعاهدة وضعت خرائط رسمية معترف بها دوليًّا، وتبين أن (مصوع ومصب وجيبوتي وزيلع وهرر وبربرة ورأس صافون) كلها من السودان، أي من أملاك الدولة العثمانية(1).ومع ذلك لم ييئس الاستعمار واستمرت مؤامراته، فتقدمت انجلترا لرأس القارة ومدخلها (إلى مصر) ومارست دسائسها حتى أوقعتها في الديون، وبالتالي الاضطراب، ثم الثورة العرابية، ثم الاحتلال.وعندما تراخت قبضة مصر عن جنوبها وعن السودان بدأت الدول الاستعمارية تتوثب لتحقيق أطماعها القديمة في ساحل إفريقية الشرقي، فاحتلت إيطاليا (بيلول) في شمال خليج مصب، وقامت بالاستيلاء على المنطقة الساحلية قرب (مصوع) ومدت سيطرتها على باقي الأجزاء التي سموها فيما بعد باسم (إريتريا)، ووقَّع إمبراطور الحبشة معاهدة مع إيطاليا يقر ملكيتها لإريتريا، وأثناء ثورة المهدي بالسودان أرادت انجلترا أن تدعم علاقتها مع الحبشة على حساب السودان، فسمحت (لمنلبك) والي الحبشة بالاستيلاء على (هرر) وانتزاعها من الأملاك السودانية، ونجح هذا الملك في خطته وقتل ملك هذه المدينة المسلم سنة 1887م، ثم أرسل برقية إلى القائد الإنجليزي في عدن يفتخر فيها بقتل الأمير عبد الله حاكم (هرر)(2).وهكذا تم بتر هذا الجزء الساحلي من السودان، أي من أملاك الدولة العلية، دولة الخلافة، وتوزعته الحبشة وإيطاليا بالتآمر مع انجلترا.ومنذ مطلع القرن العشرين أخذت دولة الخلافة في الضعف والتدهور، وأخذ الاستعمار يلتهمها إقليمًا وراء إقليم: الجزائر وتونس وليبيا وسوريا لفرنسا، ومصر والسودان والعراق وفلسطين والأردن لانجلترا، وليبيا والصومال وإريتريا لإيطاليا، وشغل كل إقليم بنفسه وبمأساته.وفي أثناء الحرب العالمية الثانية سنة 1941م احتلت انجلترا (إريتريا) باسم قوات الحلفاء ضد دول المحور، وخضعت إريتريا للإدارة البريطانية التي دامت إحدى عشرة سنة ونصف سنة، إلى أن صدر قرار الأمم المتحدة في 2 ديسمبر سنة 1950م بفرض الاتحاد الفيدرالي بين إريتريا وبين أثيوبيا، وأصبح هذا القرار نافذًا من 15 سبتمبر 1952م، فأصبحت إريتريا دولة مستقلة تحت لواء التاج الأثيوبي.دور أمريكا في قرار الأمم المتحدة:بدأت خيوط المؤامرة الأمريكية الأثيوبية بخطوة غزل ذكي من جانب أثيوبيا، حيث قدم الإمبراطور هيلاسي رشوة صغيرة، فقد أهدى للسفارة الأمريكية قطعة أرض بجوار القصر الإمبراطوري في أثيوبيا، وقال: إنها عرفان مساعدة أمريكا والرئيس روزفلت لأثيوبيا في سبيل الحرية (كذا) في تلك الفترة كانت إريتريا تحت الإدارة البريطانية – كما قدمنا – بتكليف من المكتب الخارجي للمناطق الإفريقية.كانت إريتريا في ذلك الوقت مطمعًا لكل من فرنسا التي تريد توسيع مستعمرتها في الصومال الفرنسي، ولإنجلترا التي تريد ضمها إلى السودان الإنجليزي آنذاك مع ترك جزء للحبشة، وكانت أمريكا تحكم أيضًا أن يكون لها مكان في المنطقة وهي التي لم يكن دخلت ميدان الاستعمار بعد.وأما أثيوبيا فقد كانت تشعر بأنها أضعف الطامعين في إريتريا وأكثرهم شراهة في نفس الوقت، فتنتق ذهن الإمبراطور العجوز عن حيلة خبيثة تعوضه عن ضعفه، إذ ربط أثيوبيا بعجلة أمريكا، وعرض على أمريكا مشروعًا مؤداه أن يكون الملك والسيطرة على إريتريا لأثيوبيا، والانتفاع لأمريكا أو لهما معًا.ولما لم يكن لأمريكا مجرد شبهة أو وجهة نظر تتعلل لها لدخول إريتريا وجدت أن في خبث الإمبراطور وتدبيره ما يحقق لها ما تتمنى، فأخذت وجهة نظر الحبشة، وتبنت رأيها.وجاء إلى الحبشة أفويل هاريمان مبعوثًا من الخارجية الأمريكية سنة 1942م، وبحث ما يمكن أن تقدمه الحبشة إلى أمريكا إذا تم لها الاستيلاء على إريتريا، حتى يطمئن أولاً على ثمن الصفقة، وعلى الفور وافقت الحبشة على منح تسهيلات عسكرية في (أسمرا) لإنشاء مركز اتصالات واستخبارات.وفي مؤتمر الصلح سنة 1947م تقرر تشكيل لجان للبحث في شأن المستعمرات الإيطالية ومن بينها إريتريا، وبدأت اللجنة الأمريكية السوفيتية الإنجليزية الفرنسية زيارتها لإريتريا، وبالرغم من أنها شاهدت تلهف الشعب على الاستقلال والتقت بالزعماء الذين حملوا مطالب شعب إريتريا في التحرر والاستقلال التام، إلا أنها لم تتفق على رأي.وتنفيذًا لاتفاقية الصلح أحيل الموضوع إلى الأمم المتحدة في 15/9/1948م، وبدأت المناورات والمؤامرات في أروقة الأمم المتحدة، وتوالت لجان الدراسة والوفود والزيارات، ولما كانت النية مبيتة فقد عموا وصموا عما رأوا وسمعوا، وقدمت أمريكا مشروعها الذي قضي بإنشاء (اتحاد فدرالي) بين إريتريا وأثيوبيا للشعب الإريتري فيه أقصى درجة من الحكم الذاتي، ويشارك الإريتريون في حكومة اتحاد مشتركة (وهذا المشروع – كما أشرنا – يمكن للولايات المتحدة أن تؤمِّن مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة دون حاجة إلى احتلال مباشر).وكانت المواد التي تشير إلى استقلال إريتريا الذاتي والمشاركة في حكم اتحادي ...إلخ، مجرد بنود شكلية اتفق الطرفان: أمريكا وأثيوبيا على وضعها في النصف، حتى يخطر المشروع بموافقة الأمم المتحدة، ثم تتكفل حكومة أثيوبيا بإلغائها تدريجيًا وتنزع من إريتريا أية صبغة استقلالية كما حدث بالفعل.وانظر هنا نتائج وآثار التواطؤ الأمريكي الأثيوبي:في 2/12/1950م أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتحاد الفدرالي بقرارها رقم 390 بأغلبية 46 صوتًا ومعارضة كل قوى السلم والحرية.في 7/9/1951م (أي بعد أقل من مضي سنة) وقّع الجانبان الأثيوبي والأمريكي معاهدة لمنح أمريكا تسهيلات تجارية وعسكرية وبحرية في الأرض الإريترية، وذلك قبل إنشاء الحكومة الإريترية التي نصَّ قرار الأمم المتحدة على تشكيلها.في 22/5/1953م قام الإمبراطور هيلاسي بزيارة شكر للولايات المتحدة، وفي هذه الزيارة وقّع الطرفان الأثيوبي والأمريكي على اتفاقية خاصة تتمكن أمريكا بمقتضاها من أن تقيم في (أسمرا) - عاصمة إريتريا – أضخم قاعدة عسكرية للاستخبارات في إفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا طبعًا بالإضافة إلى الامتيازات والتسهيلات العسكرية للجيوش الأمريكية التي ليس لها مثيل إلا في الأراضي المستعمرة.قرار الأمم المتحدة وموقف أثيوبيا منه:من أعجب العجب أن تصدر الأمم المتحدة قرارها هذا بالاتحاد الفدرالي من غير حق، ولا مجرد شبهة في حق، فليس هناك أي رابطة بين أثيوبيا وإريتريا من أي لون أو نوع من الروابط، بل هو كما قدمنا ثمرة تواطؤ أثيوبي أمريكي.ومن العجيب الأعجب أن يأتي في ديباجة القرار: (إن الهدف الرئيسي من إصداره هو إعطاء أثيوبيا بحر إلى البحر) هكذا... تعترف الأمم المتحدة بأن هدف القرار وضع شعب بأكمله وأرضه تحت سيطرة دولة أخرى، كي تجد لها منفذًا على البحر.سيظل هذا القرار شاهدًا على طور من أطوار المنظمة الدولية كانت فيه واقعة تحت تأثير القوى الاستعمارية الكبرى. وإذا جاز هذا المنطق فلتعد كل دولة ذات نفوذ ما تحتاجه من أراضي الدول الأخرى.إن قرار الأمم المتحدة رقم (290/أ) الخاص بالاتحاد الفدرالي بين إريتريا وأثيوبيا ينص على أن إريتريا تتمتع بحكم ذاتي على أساس المبادئ الديمقراطية، وما يتبع ذلك من وجود دستور وبرلمان وحكومة منتخبة، لضمان حقوق الإنسان والحوريات الأساسية، كما أن للإريتريين حق الاشتراك في حكومة الاتحاد على أسس ومعايير تضمن القرار تحديدًا لها، إذ ينص القرار على أن يكون للحكومة الإريترية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية في حقل الشئون الداخلية (المادة الثانية)، وعلى أن يتكون (المجلس الإمبراطوري الاتحادي) من عددين متساويين من الممثلين الأثيوبيين والإريتريين، ويشترك مواطنو إريتريا في الجانبين التنفيذي والقضائي لحكومة الاتحاد، ويمثلون الجانب التشريعي وفقًا لأحكام القانون وبنسبة عدد سكان إريتريا إلى عدد سكان الاتحاد (المادة الخامسة).وحتى هذا القرار الحائر وهذا الاتحاد الفدرالي الظالم لم يكف أثيوبيا، فأخذت طريقها إلى مسح قرار الأمم المتحدة وطمس معالم إريتريا تمامًا، وضمها إلى أثيوبيا، وبدأت خطواتها في ذلك الطريق مبكرًا في 15/9/1952م:تعرضت إريتريا لنظام ضرائبي جائر يهدف إلى خنق الحياة الاقتصادية وتحطيم الاقتصاد الإريتري.وأجبرت كبريات المؤسسات الاقتصادية على الانتقال إلى أديس أبابا، واضطرت القوى العاملة إلى الهجرة إلى السودان والسعودية.وحظرت نشاط الأحزاب السياسية.وحلت اتحاد العمال.وملأت السجون بالمعتقلين.وصادرت جميع الصحف المحلية.وألغت تدريس اللغات التجريبية والعربية في إريتريا، متجاهلة نص المادة الثامنة من الدستور الإريتري، تلك المادة التي وضعها خبراء الأمم المتحدة نزولاً على رغبة الجماهير الإريتريا، وخضوعًا لإصرارها.وفي 14/9/1958م أمر الإمبراطور بإنزال العلم الإريتري باعتباره رمزًا من رموز السيادة والشخصية الوطنية في إريتريا.واستمر الحكم الأثيوبي يلغي بالتدريج كل مظاهر الكيان الإريتري، ويفرض سيطرته على المؤسسات الدستورية، واستمر يتحدى مشاعر الشعب الإريتري وعقيدته.ففي أغطسس سنة 1960م صدر قرار بإلغاء المحاكم الشرعية، ليحاكم المسلمون أمام المحاكم الحبشية حتى في الشئون والأحوال الشخصية.كما صدر قرار بتعديل أحكام الميراث الشرعية وتغيير الأنصبة، كما نصَّ عليها الدين.كما صدر قرار بتغيير قوانين الأحوال الشخصية، فأعطيت المرأة حق خلافة زوجها، ومنع تعدد الزوجات، وحكم باقتسام أملاك الزوج والزوجة مناصفة في حالة الطلاق.وأخيرًا في 14/11/1962م أعلن الإمبراطور إلغاؤه لقرار الأمم المتحدة بإرادته المنفردة، وأعلن اعتبار إريتريا مقاطعة من مقاطعات أثيوبيا، فألغى الدستور كلية، وحل البرلمان، وجاء من أثيوبيا حاكم عسكري عام ليحل محل رئيس السلطة التنفيذية المنتخب، وتحول القضاء الإريتري إلى جهاز من أجهزة القمع الأثيوبية..كفاح الشعب الإريتري:وأمام هذا التواطؤ الأثيوبي الأمريكي الذي سخر بالأمم المتحدة لإصدارها قرارها، وإزاء هذا الاستبداد الذي لم يكفه قرار الأمم المتحدة الجائر وفعل به ما فعل، إزاء هذا كيف كان موقف شعب إريتريا؟؟لم يستكن الشعب الإريتري ولم يغفل عما يدير له، فقد بدأ يستعد ويتحفز ضد الحكم الإيطالي، فقامت الجمعيات الشعبية ثم تحولت إلى أحزاب سياسية عقب الحرب العالمية الثانية، ثم تابعت مناقشة القضية أمام الأمم المتحدة، وقد تكونت الكتلة الاستقلالية ردًّا على مشروع التقسيم الذي قدم إلى الأمم المتحدة من وزير خارجية بريطانيا وإيطاليا، ثم على مشروع الاتحاد الفيدرالي.وأخيرًا أعلنت الثورة المسلحة بعد ما فشلت جميع المحاولات السياسية والسلمية، فانطلقت شرارة الثورة الإريترية في اليوم الأول من سبتمبر سنة 1961م، وظلت الثورة تناضل وتجاهد في ظل أقسى الظروف وأبشعها، فقد استخدم الإمبراطور وسائل القمع والإرهاب لا تجوز في شرعة ولا قانون.ولقد شاءت الظروف أن أعيش عامين قريبًا من الحدود السودانية الإريترية، وسمعتُ بأذني من شهود عيان أن أجهزة القمع الأثيوبية كانت تدخل القرية الإريترية بعد إطلاق النار على أهلها فتسقط منهم من يسقط ويفر من يفر، ويؤسر من يؤسر، ثم تحرق القرية بعد استباحتها للجنود الأثيوبيين، ثم يقتل الأسرى، ويمثل بالجثث، فتقطع إربًا إربًا، ثم توضع في عربات النقل لترمى على قرى المنطقة لكل بيت عضو، إرهابًا وتحديًا وإنذارًا لكل من تحدثه نفسه بأن ينضم إلى الثورة بأنه سيلقى مثل هذا المصير.ومع ذلك صمد الشعب الثائر، وحققت ثورته نتائج، فثلج صدر كل الأحرار والأطهار.حررت الثورة ثلثي الريف الإريتري.دارت المعارك المسلحة في قلب المدن الإريترية أسمرا وعصب.استولى الثوار على كثير من معدات الجيش الأثيوبي الذي كانت وحداته تفر أمامهم كالخراف.وصل الكفاح إلى داخل أثيوبيا، فقد تعاطف مع الثوار جماهير من أجزاء أثيوبيا ومن جموع الطلاب والعمال وغيرها.فضحت الثورة التواطؤ الأثيوبي الاستعماري بعامة، والأثيوبي الأمريكي بخاصة.يبلغ من شمول الثورة وانتشارها أن اعترف بها الخصوم والأعداء الطبيعيون. قال تشارلز جلاس مراسل شيفاجو ديلي نيوز: إنه لمس بنفسه حماسًا بين الشعب الإريتري لقواتهن وان ما تواجهه أثيوبيا هناك هو ثورة شعبية (الأهرام 13/3/1970م).وما زالت هذه الثورة التحررية تجابه قوى عظمى شرقية شيوعية تقف وراء أثيوبيا وتدعمها واستعمارية غربية تضيء للشيوعية النور الأخضر لتتقدم لسحق الثورة الإريترية الإسلامية.أليست الثورة الإريترية ثورة إسلامية، وعندما يتعلق الأمر بالإسلام فإن الشيوعية والرأسمالية تتعاونان وتنسيان ما بينهما تمامًا، فإن الإسلام في نظرها – وهذا حق – العدو الأخطر للشيوعية الملحدة وللرأسمالية الاستعمارية الحاقدة في نفس الوقت.إسرائيل في إريتريا:لقد جمع أثيوبيا وأمريكا هدف واحد ثم جمع إسرائيل نفس الهدف، فقد رأى الإمبراطور الداهية أن لإسرائيل مصالح في البحر الأحمر، وأنها يهمها إخضاع هذا الساحل الذي يمتد نحو 1000 كم لأثيوبيا، وإلا فسيصير البحر الأحمر عربيًا تمامًا، وأن على إسرائيل أن تشارك في إخضاع إريتريا، وأن تؤدي دورها في هذه المهمة، ورحبت إسرائيل محققة بذلك عدة أهداف:من الناحية الإستراتيجية العسكرية تؤمن مسافة طويلة من شاطئ البحر الأحمر، أو قل تكسر حلقة من حلقات الحصار العربي في البحر الأحمر.ومن الناحية الاقتصادية – وهذا جانب هام جدًّا – عملت إسرائيل على نهب ثروات إريتريا وشرق السودان، حيث أن قبائل (الهدتدرة) و(بني عامر) و(الأمراء) قبائل سودانية إريتريا تعيش بين إريتريا وشرق السودان، وكل ما في أيدي هذه القبائل ينساب إلى نهر التجارة الأثيوبية الإسرائيلية.جاء في نشرة خاصة أصدرتها الحكومة الأثيوبية واسمها (الزراعة والصناعة والتجارة) في الحبشة الصادرة في يونيو 1957م: بدأت شركة (أنكودي الإسرائيلية) الضخمة أعمالها في أثيوبيا سنة 1955م، وهي أكبر شركة لتعبئة اللحوم في الإمبراطورية الأثيوبية، فلها من الآلات الميكانيكية ما يمكنها من إنتاج 250,000 علبة يوميًا من اللحم السعبأ بالإضافة إلى 300 طن من اللحم المثلج، و3500 من الجلود المدبوغة شهريًا، وللشركة مصانع لتحويل فضلات اللحوم والعظام والشحم إلى مواد أخرى نافعة.. وتنتج 100 طن سماد عضوي شهريًّا من هذه المخلفات، كما تنتج طنًّا ونصفًا من قطع اللحوم التي تزن الواحدة منها اثنين كيلوجرام للاستهلاك اليومي، وتعتبر مصانع شركة (أنكودي) من المصانع العالمية للحوم، ويذبح مصنع (أنكودي) في أسمرا – عاصمة إريتريا – يوميًا 360 بقرة يشتريها بأبخس الأثمان، ولها في أسمرا مصنع كبير لدباغة الجلود. وتصدر (أنكودي) إلى إسرائيل 5000 طن سنويًا من الأسماك المطحونة التي تستخدم لتسميد الأرض، ويزداد إنشاء الشركات الإسرائيلية في إريتريا، وقد أعطيت مناطق إريترية كمقاطعات لشركات إسرائيلية تستغلها كيف تشاء، ومن ذلك منطقة (عايلت) وهي تابعة لمديرية مصوع.ولا يقف التعاون الأثيوبي الإسرائيلي عند هذا الجانب، فقد عينت الحكومة الأثيوبية اليهودي الإسرائيلي (ناتان مادين) مستشارًا قانونيًا وهو أيضًا النائب العام المختص بوضع قوانين الدولة، وتستعين أثيوبيا بمدرسين من إسرائيل، وخبراء إسرائيل في التخطيط والزراعة والسدود تموج بهم أثيوبيا دائمًا.وفي مناقشات الكونجرس السرية ما يشهد بدور إسرائيل في محاولة جمع ثورة إريتريا، فقد جاء على لسان أحد الأعضاء ردًّا على (قولبرايت) حين سأل: إلى أي مدى شاركت أمريكا وإسرائيل في برنامج مقاومة التمرد؟ قال العضو ردًّا على هذا السؤال: كان ذلك مبادرة إسرائيلية، فالإسرائيليون يعلقون أهمية خاصة على علاقتهم بأثيوبيا حيث تمثل الدولة الصديقة الوحيدة على الجانب العربي من البحر الأحمر وعليه فالبرنامج اتخذ كبادرة إسرائيلية.عروبة إريتريا:إن عروبة إريتريا ليست محل نقاش أو نظر، ولسنا – العرب – الذين نقول بذلك، بل إن أهل إريتريا ينادون به ويفخرون، والواقع – قبل كل شيء – يقول بذلك، فنظرة إلى الخريطة نرى موقع إريتريا ينطق بعروبتها، فهي على ساحل البحر الأحمر بين الصومال العربي والسودان، وحين تقدموا بمذكرتهم إلى جامعة الدول العربية كانوا يعبرون أصدق تعبير بقولهم: "إن إريتريا هي فلسطين البحر الأحمر، وإن قوى الطغيان والشر تتربص بإريتريا لا من حيث كونها دولة تطالب باستقلالها، ولكن لأنها قبل كل شيء امتداد للوطن العربي وعمق استراتيجي ظهير لنضال العرب وصراعهم التاريخي.والآن: ما موقف القوى المحبة للسلام والمناصرة للعدل؟ وقبل ذلك: ما موقف الأمم المتحدة؟ ولماذا لا تتدخل؟ مع أن الفقرة (201) من التقرير النهائي لمندوب الأمم المتحدة تقول بالحرف الواحد: " إذا نقض القرار الفدرالي فإن القضية الإريترية يمكن أن تصبح عندئذ من اختصاص الجمعية العامة للأمم المتحدة).فلم لا تتدخل الأمم المتحدة الآن؟ إنقاذًا لهذه الملايين من الفتك والتنكيل.ومع كل ذلك وبعد كل ذلك: ألست معي أيها القارئ العزيز أن المأساة في حجمها الأكبر مأساة صمتنا الجاهل بما يجري لنا، أو جهلنا الصامت بما يراد لنا؟!